Monday, August 3, 2009

أوقفوا اعدام العراق

هيفاء زنكنة
القدس العربي
1 آب 2009

منذ عقود كثيرة، بضمنها سنوات الاحتلال البريطاني والحكم الملكي وماتلاه، والعراق يعدم ( بضم الياء وفتح الدال) اما
بشكل علني او سري، أما بيد ابنائه انفسهم او بأيدي الاحتلال. أما بعد المثول لدقائق امام محاكم صورية او بعد تلقي بضع اطلاقات في الرأس او بعد التعذيب شنقا او سحلا حتى الموت. أما في غياهب السجون او معتقلات الاحتلال وعملائه أو في سراديب وزارات العدل والداخلية والدفاع أو في الشوارع حيث ترمى الجثث بعد التعذيب.
كل فرد في العراق، رجلا كان ام أمرأة، هو مشروع اعدام مؤجل، يعيش وحول عنقه حبل يتسع او يضيق تبعا لنوع السلطة ومدى تقربه منها ومن ينصب نفسه، فردا كان ام طائفة او عرقا، قاضيا وجلادا في آن واحد. ومهما تحدثنا عن جرائم وانتهاكات العقود السابقة للغزو في 2003، لا بد وان نعترف، والقلب يكاد يتوقف كمدا، بأن السيل وصل الزبى تحت 'ديمقراطية العراق الجديد' وبعد عودة دعاة 'حقوق الانسان' من منافيهم. وأننا نعيش نموذجا قل مثيله. اذ لم يتطلب الأمر، غير بضع ساعات، ليتناسوا ما كانوا يبشرون به وهم في اوروبا وامريكا من احترام لحقوق الانسان ويتباكون عليه من انتهاك النظام السابق لها.
خلال ساعات قليلة، صار كل واحد منهم جلادا يتنافس في مسابقة القتل والتعذيب وامتهان الكرامة. صارت المظلومية، حقيقة كانت ام وهما، بمعناها الطائفي او العرقي او العلماني، على مدى عقود او آلاف السنين، الأداة المشرعنة للظلم . وبدلا من مساعدة ابناء الوطن على دمل الجراح، صارت مهمة 'المظلومين' نكأ الجراح والأنتقام وتوزيع قوائم باسماء المطلوب تصفيتهم بأسرع وقت ممكن اما على قوات الميليشيات او تركهم في السجون، سنوات، او تقديمهم لمحاكمات يقوم القاضي فيها بقراءة حكم الأعدام المعد سلفا. ولم يسلم أحد من رشاش الانتقام غير ان المرأة وبحكم وضعها الخاص اصيبت بالكثير. اذ تعاني من ظلم بدأ بالحرمان من الأمان، ومن أبسط سبل العيش الكريم، وإنتهى بتحويلها الى ارملة فقدت معيلها، وام لليتامى تبحث عما يسد رمق اطفالها، ومهجرة تستجدي أقل القليل خارج بلادها، او نازحة في معسكرات من خيام خارج بيتها، ولا تعرف ما الذي سيجلبه لها الغد القريب. وها هي، بالاضافة الى ذلك كله، تجلس في زنزانات الاعدام بانتظار قتلها 'قانونيا'.
حيث أصدرت منظمة العفو الدولية، في 23 تموز (يوليو) الحالي، تصريحا عن قرب تنفيد الأعدام بتسع نساء عراقيات. وفي الوقت الذي لم تحرك فيه نسوة 'البرلمان' او 'نسويات الاحتلال' ساكنا، قامت منظمات حقوق الانسان وناشطون انسانيون من العراقيين والاوروبيين، بتنظيم حملات ونداءات داعية الى ايقاف التنفيذ استنادا الى أسباب عديدة، لخصتها عضوات منظمة 'تضامن المرأة لعراق مستقل وموحد'، في رسالة قمن بتسليمها الى عدد من السفراء العرب، يوم 29 تموز (يوليو). ومن ضمن الاسباب: أن هذه الاحكام تصدر، في أحوال إستثنائية، توصف عموما، حتى في تقارير الدولة المحتلة، بانها حالة 'الحرب في العراق'، وانها صادرة عن محاكم لا تزال التقارير الحقوقية العالمية والعراقية تنفي عنها شروط العدالة والنزاهة. وهذا ما أكده تقرير بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق ( يونامي) في تموز (يوليو) 2008 حيث وصفت الاجراءات في المحاكم الجنائية بانها لا تلبي الحد الأدنى من المعايير المطلوبة للمحاكمات العادلة في ظل قضاء مستقل. ودعا التقرير 'الحكومة العراقية' الى تعليق حكومة الأعدام الى حين القيام بمراجعة الاجراءات في مراحل التحقيق والمحاكمة. وقد وصف تصريح منظمة العفو الدولية محاكمات النساء بانها 'يشك في عدالتها'، وجاءت اعترافاتهن بعد تعرض بعضهن الى التعذيب. ويذكر نداء المنظمة الدولية: 'ان المحاكمات الاخيرة تدل على ان احكام الاعدام تصدر في محاكمات ابعد ما تكون عن العدالة. وعلى السلطات العراقية ان توقف هذه الاعدامات'.
ويشير التصريح الى ان ثلاث نساء قد تم اعدامهن في شهر حزيران (يونيو) الماضي فقط. وبلغ العدد المعلن لمن نفذ بهم حكم الاعدام من الرجال والنساء حوالي الألف منذ عام 2004 وحتى الآن. وليست هناك ارقام رسمية عمن ينتظرون تنفيذ حكم الاعدام. وتشير عضوات ' تضامن المرأة' في رسالتهن الى السفراء والرأي العام العالمي الى ان تبنيهن الدعوة لايقاف تنفيذ احكام الاعدام بحق النساء، مهما كانت التهمة الموجهة اليهن وما ارتكبنه، مبنية على ' أن اعدام النساء، بشكل خاص، قضية تمس اعمق ما يؤمن به المجتمع العربي والأسلامي وقيمه التي تتناقلها الأجيال، من ان المرأة هي حاملة الحياة وراعيتها وأنها الأم التي تشكل نواة الاسرة والمجتمع، وأن ثمة طرقا أخرى للقصاص حتى إذا ثبت الجرم حسب الدلائل الآنية، وأن هذا هو السبب الذي أدى منذ الستينات في العراق ودول إخرى الى إلغاء عقوبة الإعدام بحق النساء. كما أننا نؤمن، مبدئيا، بإلغاء عقوبة الاعدام، كما حدث في أغلب بلدان العالم، وإستبدالها بعقوبات أخرى، حيث لا تتوفر في وقت محدود، مهما طال، شروط تحقيق العدالة نهائيا، وحيث لا يمكن بعد الأعدام تصحيح ما قد جرى من أخطاء قانونية، كما يتبين في الحالات العديدة التي تثبت فيها براءة السجناء الذين بقوا في السجن لسنين عديدة، فيجري تعويضهم وحتى معاقبة من إقترف الظلم عليهم.'
ان اصدار احكام الاعدام في بلد تعيش حكومته على الفساد والوشاية والمخبر السري والتهم الكيدية، جريمة لاتغتفر. ويزيدها كارثية ان الجهة التي تصدر الاحكام هي ذاتها مسؤولة عن ارتكاب اكبر الجرائم واكثرها وحشية بالاشتراك مع القوات الغازية غير الخاضعة للقانون العراقي بل والمعصومة من العقاب مهما ارتكبت من جرائم ومذابح بحق المواطنين.
غير ان منظور المنتقمين الجالسين حول منصة الاعدام يختلف عن البقية. فبالنسبة اليهم، ما يرتكبونه من جرائم هو العدالة. انه يماثل احياء مراسيم الماضي القريب والبعيد. مسيرة موت تتجدد شهريا وسنويا على مدى مئات السنين. غير مدركين، في استغراقهم المنتشي بلحظة السلطة، بانهم انما يساهمون بهذه الطريقة في خلق اشباههم من المنتقمين ومن حاملي المظلومية من بقية ابناء الشعب، وان روح الانتقام، في بلد بلا قانون وبلا عدالة، ليست حكرا عليهم لوحدهم.

' كاتبة من العراق