Tuesday, February 26, 2008

"هل انا حقا ً بطبيب ٍ؟ "

عبدالله الدملوجي
لم اكتب بالغة العربية مقالا ً ادبيا ًَ لسنوات ٍ طوال . فمنذ ان دخلنا كلية الطب الى ساعتنا الحاضرة دفعتنا دراستنا بالانكليزية بعيدا عن لغتنا الجميلة. و ها انا اليوم اجد نفسي بلا منجد ٍ الا القلم َ بندقيةََََََ ً و الحروف َ عتادا ً, فيا عربية ُ انجديني!

بدأ ً ساسردُ قصة ً صغيرة ً ابدأها من الاعظمية منطقة ً و اشجار ثانوية كلية بغداد مدرسة ً وطلابا ً مراهقين باحلام ٍ كبيرة. كنت وصديق العمر نرسم معا ً حلما ً بدخول كلية الطب, فكنا طلابا ً مجدين لا نترك من اليوم وقتا ً الا وكنا ندرس ادبا وشعرا ً, فيزياء و احياء. ولا ازال اذكر "الهلاهل" و اذكر الفرحة عندما عُلقت اسماء القبول في جامعة بغداد فأراحت سهر الليالي الطويلة على اضواء الشموع. ست سنوات مضت, فتالله لا استطيع اختصارها بكلماتي العربية ِ الركيكة. فأرويقة ُالكلية الطبية و "النبكة" و امتحانات التشريح و محاضرات الدكتور حسن الربيعي رحمه الله في الفسلجة
و ردهات مدينة الطب والمحاضرات السريرة للدكتور زياد جريديني و الدكتور جعفر الهلالي في الطب الباطني و عصبية استاذنا الفاضل الدكتور فالح البياتي و هو يحاول ان يجعلنا اطباء ملتزمين, واستاذنا الفاضل سالم الصراف في ردهة الجراحة و هو يعتني بمرضى الانفجارات-ذكر الله اساتذتي الافاضل اجمع بالخير- و غيرها من محطات حياتي مما جعلني اذكرايام بغداد الجميلة تنبض بشباب يتوقون علما و معرفة ً في بلد ٍ مزقته حروب ودكتاتوريات و طائفية.

قررنا انا و صديق العمر ان ندرس لامتحان المعادلة الطبية الامريكية حينما كنا طلاب في الصف الخامس في الكلية ذلك لنذهب للولايات المتحدة الامريكية و نكمل دراستنا التخصصية في الطب في احدى الجامعات هناك. فوالله كنا ندرس
في الطب الباطني ونقرأ
و الجراحة ليلا ً نهارا Essential of Surgeryو Davidson,
. فنذهب للمستشفى صباحا ً , و نتطوع للعمل مع الصليب الايطالي بعد الظهر و ندرس مساء ً لسنة ٍ كاملة ٍ. و ذهبنا لعمان لنأخذ الامتحان مع كل المذلة التي صاحبت كوننا عراقيين محاولين ان نقنع ضابط الجوازات الاردني اننا طلاب طب قادمين لنأخذ امتحانا ًطبيا ً-فأحن الله ُ قلبَهُ و ادخلنا الاردن المحروسة!

نجحنا انا وصديقي بألامتحان-و قدمت الى الولايات المتحدة الامريكية لدراسة الماجستير في احدى الجامعات المرموقة تاركا ً خلفي بغداد تحترق حزنا ً و ظيما ً. لم نتمكن من اكمال الامتحانات للحصول على البورد الامريكي في الطب ليس لاننا طلاب فاشلون بل لان قرارا ً من الحكومة اوقف اصدار الوثائق والشهادات. وها انا اليوم استقبل مكالمات من زملاء لي من كل مكان يخبروني عن معاناتهم. فهاذا صاحب لنا يسألني على الهاتف "هل انا حقا ً بطبيب ؟" فهو يعمل في احدى الدول الاوربية بعمل ٍ لا يلق ُ با حد كان من اوائل العراق في امتحان البكلوريا في سنتنا!

وهذا صديق اخر لي يخبرني بنيته ِ ترك الطب والعمل في مجال اخر في استراليا لانه لا يملك وثيقة تثبت تخرجه من كلية الطب-ولا ازال اذكر اجتهاد هذا الصديق في الكلية الطبية. و عدد من الزملاء و الزميلات لنا في المملكة المتحدة, و امريكا الشمالية,و السويد, و الاردن,و سوريا, والامارات لا يستطيعون ممارسة الطب, فجلسوا البيوت وأستأنسوا بالتلفاز وهؤلاء هم الشريحة الفضلى من المجتمع العراقي!
لا اذكر من العراق اسلاما ً , و لا سنة ً و لا شيعة ًو لا كردا ً و لا عربا ً.

اذكر استاذ الجراحة ِ يدمع رغم شيبة ِ شعرة حين يرى شابا ً فقد عينا ً.

أذكر طلاب تطلب علما ً و حياة ً افضل!

اذكر نخلة ً و نهرا ً!

فيا مالكي-ان كنت تقرأ-لا تقتلوا عراقيتنا!

يا مالكي- ان كنت تقرأ- اعلم ان اطباء بلدك لاجئين, يعملون بمحطات الغاز بدول الغرب, معاونين طبيين في دول الخليج العربي , و يسكنون الاردن و سوريا ولبنان بلا مصدر رزق!

يا مالكي-ان كنت تقرأ-اعلم ان لو سمعت نحيب الرجل على الهاتف هو يقول "هل انا حقا ً بطبيب ٍ؟ "لما نمت ليلا ً!

" و الساكت عن الحق شيطان ٌ اخرس" هذا ما علمني اياه استاذ اللغة العربية-طيب الله ثراه- بكلية بغداد عندما علمنا ان نرفع القلم و نكتب!

"اللهم الا هل بلغت اللهم فاشهد! "

عبدالله الدملوجي
بولتمور
شتاء 2008
adamluji@yahoo.com