لماذا نعطي حقل مجنون تعويضا للبنتاغون؟
قد يبدو أن وتيرة تصفية العقول وذوي الكفاءات وكل من يحتج او يعترض علي سياسة حكومة الاحتلال في العراق قد تباطأت عن السابق نظرا لهجرة 80 بالمئة من الشريحة المعنية من علماء واساتذة ومهندسين واطباء وصحافيين.لكن استمرار التصفية للقضاء علي البقية الباقية، وهو الأمر الذي لا يقل خطورة نظرا لتعاظم دورهم كمرجعيات عقلانية وتربوية، ليس عشوائيا بل منظما ومقصودا من قبل قوات الاحتلال الانجلو ـ امريكية الصهيونية وأدوات التنفيذ من عراقيين ومرتزقة ومتعاقدين. وآخر الاصوات التي تم اسكاتها هو طالب ناجي عبود، رئيس المهندسين الاقدم في حقول شركة نفط الجنوب، الذي اغتالته قوات الاحتلال الامريكية اثناء عودته من الدوام الرسمي عند تقاطع الطريق القادم من مدينة صفوان مع طريق الرميلة الجنوبية في غرب البصرة. وقال فالح عبود عمارة، نائب رئيس المجلس المركزي لنقابات النفط ، ان المهندس طالب ناجي توفي في احدي مستشفيات البصرة يوم الأربعاء الماضي متأثرا بجراحه بعد تعرضه لنيران قوات امريكية. وهو من الأحداث التي تشير الي اشكال مستجدة للتواجد الأمريكي في مناطق كانت تتجنبها بتخطيط مسبق. وقد تصاعد استهداف العاملين في شركة نفط الجنوب ونقابة العمال باشكال مختلفة منذ ان كثفت النقابة نشاطاتها السلمية للتوعية بصدد تمرير حكومة الاحتلال وبرلمانه قانون استثمار النفط والغاز الجديد الذي سيضيع علي العراقيين وعلي مدي اجيال مقبلة كل انجازاتهم الوطنية في مجال النفط وصناعاته بالاضافة الي كونه العمود الفقري لسياسة الاستعمار التقسيمية للعراق. والمعروف ان اتحاد نقابات النفط برئاسة حسن جمعة كان قد انتهي لتوه من عقد المؤتمرالعلمي الثالث للخصخصة الذي تم فيه بحث الموضوع ذاته توعية للشعب وتحملا للمسؤولية التاريخية التي تبناها الاتحاد. ولا تقتصر جرائم الاحتلال علي تصفية العقول والناشطين والداعين الي وحدة العراق واستقلاله بل تمتد أيادي الغدر والقتل الي المدنيين الذين يقاومون الاحتلال عن طريق المحافظة علي حياتهم وعوائلهم والبقاء صامدين في وطنهم علي الرغم من كل حملات الترويع وارهاب الاحتلال ومرتزقته لاجبارهم علي الرحيل . وتتنوع اساليب الارهاب وترويع الناس. فقوات الاحتلال تستخدم القصف الجوي للقتل كما حدث في الهجوم الجوي علي مدينة الوشاش غرب بغداد يوم 6 سبتمبر (أيلول) وأسفر القصف علي النائمين علي السطوح بسبب الحر الشديد وانعدام التيار الكهربائي عن مقتل 14 شخصا واصابة 10 آخرين وتدمير عدد من المنازل. وقد تظاهر الاهالي بعد المجزرة أمام القاعدة الامريكية في حي المنصور وهم يرفعون علما عراقيا كبيرا ثم افترشوا الأرض مطالبين بالتحقيق بالقصف الامريكي. وتساهم شركات الحماية الامريكية مثل بلاك ووتر والبريطانية مثل أيجيزفي تصفية المدنيين كذلك كما حدث يوم الاحد الماضي عندما أطلق مرتزقة بلاك ووتر النار عشوائيا علي المارة في منطقة المنصور ببغداد مما ادي الي قتل 11 مدنيا وجرح عدد كبير. ولكي لا تفوز قوات الاحتلال ومرتزقتها علي العملاء في حكومة الاحتلال في مسابقة (من يقتل عددا أكبر من المواطنين العراقيين) ارتكبت ميليشيات الاحزاب والوزراء والسياسيين قائمة طويلة من الانتهاكات والجرائم ولعل ابسط مثال عليها هو الاعتداء علي المركز الامتحاني في مدرسة عقبة بن نافع في منطقة السيدية جنوبي بغداد، بتاريخ 19/06/2007 حيث قامت قوات الذيب سيئة الصيت التابعة لوزارة الداخلية بالقاء القبض علي مدير المدرسة ومعاونه وعشرين من الطلبة اضافة الي اطلاق النار العشوائي وقتل ثلاث نساء ورجل ممن كانوا ينتظرون ابنائهم في باب قاعة الامتحانات. من الامثلة اعلاه وهي مجرد نقطة في بحر من المجازر والجرائم المرتكبة بحق شعبنا، نلاحظ بان هدف الاستعمار الامبريالي هو الهيمنة الكلية وبأي شكل من الاشكال علي الناس وعلي موارد الوطن وما اغتيال العقول والكفاءات وخطف المعلمين والطلاب وقصف المدنيين وحرمانهم من الخروج الي الشارع لابقائهم سجناء في بيوتهم وقتل الرغبة في التعليم ومنع النشاطات النقابية وتحديد تشكيل الاتحادات وتنظيمات المجتمع الاهلي والمدني غير الوجه الحقيقي لسياسة الاحتلال القمعية بعيدا عن ادعاءات الديمقراطية علي ايقاع الحرب علي الارهاب. وليس مستغربا أن يفضح مستخدمو الاحتلال أنفسهم حين يتسابقون لاثبات ولائهم لسيدهم وما القرار الذي أصدره حسين الشهرستاني وزير النفط في السادس من آب الماضي ومنع بموجبه اتحاد نقابات عمال النفط من مزاولة اي نشاط واصفا الاتحاد بانه منظمة غير شرعية غير نموذج واضح لعقلية العبد الضرورية لخدمة المستعمر. والا ما معني منع اتحاد نقابات عمال النفط من مزاولة أي نشاط في ظل حكومة تصف نفسها بانها (منتخبة ديمقراطية)؟ واذا افترضنا ان امريكا هي البلد المحتذي والراعي لبناء (الديمقراطية) في العراق فهل سمعتم باصدار أي وزير امريكي او حتي الرئيس الامريكي نفسه قرارا يلغي فيه النقابات وهي التي تعتبر ضمن النظم الديمقراطية لبنة اساسية في بناء المجتمع المدني وحق من حقوق الانسان؟ هنا قد نحتاج الي قراءة القرار من وجهة نظر الشهرستاني نفسه وهو رجل طالما اشتكي من دكتاتورية النظام السابق معتزا بنضاله من اجل بناء الديمقراطية والدفاع عن حقوق الانسان. تري هل قرار الشهرستاني نابع من عنف نشاطات النقابات وخروجها علي مواصفات العمل الديمقراطي؟ كلا. اذ ان كل نشاطات النقابات سلمية تراوح ما بين الاعتصام والتظاهرة وتوقيع رسائل احتجاج وكتابة طلبات لمقابلة المسؤولين في الحكومة، وكل الرسائل مكتوبة باسلوب خطاب وقور، كما يدل مضمون البيانات علي نقطة جوهرية وهي ان هدف النقابات هو حماية المصلحة العامة للوطن والمواطنين عن طريق التوعية في مجال النفط والتحذير من النتائج الكارثية التي ستلحق بالعراق ومستقبله اذا ماقامت الحكومة الحالية وبرلمانها بتشريع قانون النفط والغاز الجديد الذي يعتبر تهديما لكل الانجازات الوطنية في حقل النفط وتصنيعه ونهبا علي المكشوف لاهم مورد مادي للعراق. السبب اذن هو قانون النفط وكون الاتحاد باساليبه السلمية عثر حجرة في طريق التشريع. اما من ناحية التزام الشهرستاني بالقوانين والشرعية فلعل اول سؤال يتطرق الي اذهان المواطنين وهم يتلقون اخبار القتل اليومي من قبل قوات الاحتلال وشركات الحماية المتعاقدة مع الحكومة الامريكية مباشرة، هو لماذا لا يبادر الشهرستاني وهو الذي يدعي الوطنية والدفاع عن حقوق الانسان أولا بالمطالبة باخراج قوات الاحتلال حفاظا علي سيادة البلد وهو فعل وطني بحت وثانيا رفع الحصانة عن قوات الاحتلال وكل حثالات الارض التي تمرح وتسرح وتعربد علي جثث شبابنا واطفالنا ونسائنا بلا مساءلة ولا قصاص بل وبحماية كلية من القانون رقم 17 الذي سنه حاكم العراق الفعلي بول بريمر وبمرأي ومسمع من الشهرستاني وأمثاله؟ مما يقود الي التساؤل ايضا عن مفهوم النشاط القانوني في العراق الديمقراطي الجديد الذي يجب ان تتصف به النقابات والاتحادات لتتمكن من ممارسة عملها؟ هل هو نشاط مماثل لما تنجزه قوات الاحتلال من جرائم؟ هل هو مماثل لنشاط شركات الحماية الخاصة والمتعاقدين الجلادين في السجون السرية والعلنية واطلاق النار علي المدنيين العزل؟ هل هو القتل الجماعي كما في مجزرة حديثة أو اغتصاب وحرق الصبية عبير قاسم حمزة وقتل والديها واختها الطفلة هديل أم انها عمليات التعذيب الوحشية في معتقل ابو غريب؟ وكلها جرائم لم يدن بسببها أحد وفق القانون العراقي او الدولي او الانساني. خلافا للشهرستاني المشغول بمعاقبة كل من يمارس نشاطا نقابيا سلميا، تحدثت أريكا رازوك، المتحدثة باسم منظمة العفو الدولية الامريكية في مجال ادارة الاعمال وحقوق الانسان امام الكونغرس الامريكي في شهر حزيران (يونيو) من العام الحالي عن حرية شركات الحماية والمرتزقة والمتعاقدين في العراق المحتل، وقدمت تفاصيل 20 جريمة مع ملفات جرائم وانتهاكات حقوق الانسان التي تمارسها هذه الشركات في العراق بحكم تمتعها بالحصانة، متطرقة بالتفصيل الي مساحات العمل الكبيرة المتوفرة لهذه الشركات من خلال التعاقد مع البنتاغون اي وزارة الدفاع الامريكية ووزارة الخارجية في التحقيق وتعذيب المعتقلين كما حدث في سجون ابو غريب وبوكا وكروبر. وقد نبهت المتحدثة بشكل خاص علي نتائج اطلاق الحرية للشركات ومستخدميها المسلحين باحدث العتاد بدون محاسبة مما يعني علي ارض الواقع فتح الباب علي مصراعيه للانتهاكات وارتكاب الجرائم. وحسب تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش أن المقاولين يتمتعون بالحصانة التامة من أي مساءلة أو عقاب علي أفعالهم فشروط عملهم مع الجيش الأمريكي تمنحهم حصانة من المقاضاة أمام المحاكم العراقية، وهم لا يخضعون لتسلسل القيادة العسكرية، ومن ثم فلا يجوز تقديمهم لمحاكمة عسكرية، ولا تجوز مقاضاتهم أمام المحاكم الأمريكية. أن مسؤولية أية حكومة في العالم هي حماية المواطن وكرامته من العوز والفاقة وتوفير الامان له، وتزداد مسؤولية الحكومة جسامة اذا ما كانت الحكومة قد بيعت الي المواطنين باعتبارها حكومة منتخبة ديمقراطيا ذات سيادة ودستور كما هو حال الحكومة العراقية التي يثبت صمتها علي الجرائم ومحاربتها لأية بادرة ديمقراطية حقيقية بأنها شريكة للاحتلال لا في النهب وسرقة اموال الشعب وموارده فحسب بل انها شريكة له في تحمل مسؤولية الجرائم والانتهاكات ومن بينها جرائم استهداف عمال نفط الجنوب واتحاد نقابات العمال وكل صوت أبي يرفض مهانة الاحتلال وذله رافضا التخلي عن منجزاته وهاتفا مع عمالنا الابطال (هيهات ننطي مجنون تعويض للبنتاغون)، أي هيهات أن نسلم حقل مجنون الغني بنفطنا تعويضا للبنتاغون الامريكي