تدور كوندوليزا رايس، وزيرة خارجية الولايات المتحدة، في المنطقة وكأنها في حارتها، مقيمة شبه دائمة، منذ تعيينها بمنصبها الرسمي، كوزيرة خارجية الامبراطورية. وربما يعني انها لا تكتفي بالاشارة من بعيد وتستشعر ما تطلبه لاسباب تعودت عليها مع اصحاب القرار في المنطقة. وهي تؤدي واجباتها بحماسة وتعرف جيدا مقدار ما تنفذه وتشعر العالم باهمية ذلك، بحيث لا تمر نشرة اخبار في شاشات التلفزة الفضائية والمحلية هذه الايام دون طلتها البهية واخبار اجتماعاتها مع المسئولين في بلدان المنطقة، متنقلة من مؤتمر الى لقاء، الى اجتماع والى تصريحات صحفية او تعليقات حول نشاطاتها او تمرير ورقة سريعة لاحد مستشاريها وعبره الى وسائل الاعلام تحدد فيها سياستها او اوامر ادارتها، وبالتاكيد تدرك انها تمارس دورها او زمنها في المنطقة، وتتسابق فيه مع فترتها المتبقية لها ولرئيسها في الحكم والمشهد السياسي الامريكي.
في المنطقة يطوف، بمعنى ما، زمن كوندي، والسؤال او الاسئلة، هي الى اين والى متى وما هو الواجب والمطلوب في معرفته ومواجهة التحديات التي يضعها امام شعوب المنطقة كلها؟ اسئلة لابد منها والاجابة عليها ضرورية اليوم قبل الغد، فكل تاخير فيها اضاعة لوقت حاد وحسابات قاسية. كوندي في التقسيمات السياسية لمؤسسات واصحاب القرار الامريكي لا توضع في دائرة صقور المحافظين الجدد، ولكنها تعتبر من المقربين الى الرئيس الامريكي بوش الثاني، ودائما تصحب معها مساعدين لها وظيفيا من صقور المحافظين الجدد او المعروفين بعدائهم السافر الى العالم العربي وانحيازهم الصريح الى الكيان الاسرائيلي، من امثال اليوت برامز او ديفيد سترفيلد. وهذا يعطي كما يبدو من خلال صولاتها صورة مؤلمة لحاضر ومستقبل العالم العربي بشكل خاص.
متابعة جولاتها المكوكية وتحركاتها السياسية تنتهي الى نتيجة تصفها بانها موظفة قادرة على خدمة مهماتها الاستراتيجية المرسومة للمنطقة خصوصا وللامبراطورية الامريكية عموما، فهذه زيارتها الثامنة خلال العام الحالي للمنطقة واجتماعها الرابع للرباعية الامنية والسياسية العربية، كما هو معلن رسميا، وخاصة في العالم العربي وجواره القريب او البعيد، بالرغم من الحقائق المخفية في الوقت نفسه، والتي تكشف ان تلك الاستراتيجيات دخلت مآزق متتالية ومتعددة في كل بلد تورطت الولايات المتحدة في احتلاله وفرض اساليبها عليه. ولهذا تتواصل المؤتمرات والزيارات والجولات، كما هو معروف ومعتاد في ادارة السياسة الامبراطورية، وهو ما تقوم به الوزيرة (السمراء)، بنت افريقيا، كما وصفها الزعيم الليبي القذافي في احدى مقابلاته التلفزيونية!. من بين ذلك ما تعلنه تصريحاتها حول الاوضاع في فلسطين ولبنان والحدود العراقية التركية. فهل ستوفق في هذه المهمات وحلحلة اوراق الملفات الساخنة هذه، ام ستزيدها اشتعالا او تتركها في حريقها الذي تسببت ادارتها فيه؟، ومن يستفيد من هذه الزيارات بعد كل ما حصل ويجري في العالم العربي؟.
تصريحاتها الاخيرة حول لبنان اضافت اعباءا جديدة على اي تفاهم توافقي فيه. ولم تساعده على التطور والتحقيق في الخطوات التي توصلت لها اطراف الازمة الداخلية، بل اعطت مؤشرات، او حسمت الموقف لدى مؤازريها داخل الساحة اللبنانية، الى تعقيد دروبها المتشابكة اصلا وتصعيد صعوبات البحث عن مخرج مشرف للفرقاء المتخاصمين، في اتجاهاتهم المتعاكسة والمتوازية، خارجيا وداخليا، سياسيا واستراتيجيا. اما عملها على تطوير اليات الرباعيات الامنية والعسكرية، الدولية والعربية، ومحاولة فرض سياستها الامبراطورية على الجميع، وتشديد المطالبة الامريكية والصهيونية عليهم فلم يحقق لها او يقرب الى الحل المنشود او التوافق المعقود الامل عليه في حدوده الدنيا، على الاقل في لبنان وما يربطه في مسلسل المشهد السياسي العام في المنطقة.
لايختلف الملف العراقي عن غيره، فتورطها الرسمي مفتوح الافاق والتداعيات، من صمتها الشخصي كمسئولة مباشرة عن ممارسات المرتزقة الاجرامية في تعذيب وقتل المدنيين العراقيين الابرياء وتسترها على تصرفاتهم وسرقات شركاتهم، الى ضغوطها على الدبلوماسيين الامريكان المحتجين على تكليفهم بالعمل في العراق، الى حد اعتبار بعضهم ان ارسالهم الى العراق قرار بالقتل لهم، او الاعدام. وقد تكون هذه القضية الامريكية الداخلية، وفي داخل الوزارة نفسها عقدة خطيرة امام الوزيرة التي تحصد ما تزرعه في "مزارع الامبراطورية التي لم تشرق الشمس في ربوعها بعد ولن تتكرر اللعبة" رغم مآسيها الدموية وكوارثها المتفاقمة.
قد تكون قدراتها ونشاطاتها مركزة في المشهد الفلسطيني اكثر من غيره حاليا رغم الترابط واهميته في زمنها ودورها، ولاسيما في توفير فرص دعوة رئيسها الى اجتماع انابوليس، (لم يتفق على تسميته وحضوره لحد الان رسميا)، او خريف قضية الصراع العربي الصهيوني، الفلسطيني الاسرائيلي. ورغم زياراتها المكوكية وكل مساعيها فما يرشح من كلمات الوفود واللجان ووجوه المسئولين لا يبشر بما يصبو له اصحاب الحقوق المشروعة، والانطباعات كالحة ولا افق مرض لاي من الاطراف، بمن فيهم صاحب الدعوة، وحساباته وراءها او ما يخطط له بعد يوم الاجتماع. وحتى هذه الجولة وتلحقها بالتاكيد اخريات خلال الاسابيع القليلة القادمة، لم تحقق فيها اختراقات كما تريدها ادارتها والعصابات المصاحبة لها، وكل محاولاتها تصب في كسب الوقت لانجاح الضغوط على ممثلي الشعب الفلسطيني للتنازل عن حقوق الشعب المشروعة وتكريس التطبيع العربي مع الكيان رسميا وعلنا امام العالم لتمرر عبره بعد ذلك مخططاتها الاخرى التي تتحدث عنها يوميا كل وسائل اعلامها وناطقوها الرسميون.
المؤشرات او ما يمكن ان يكون سماتا لزمن كوندي، تبدو او تختصر في: لا حل قريب في لبنان، ويستمر الوضع المتازم فيه الى امد غير محدد، او تنفجر الازمة فيه الى ما تخطط له دوائر البنتاغون والمحافظين الجدد، للفوضى الخلاقة التي يدعونها، ولا انتهاء عاجل للتوتر الحاد على الحدود العراقية التركية، ولا انسحاب من العراق، بل استمرار الاحتلال الى نصف قرن قادم، وعدم توقف القتل والتهجير وفوضى الامن، ولا امل للشعب الفلسطيني في حل عادل لقضيته. ولكن الوقائع هذه كصخرة الواقع صلبة عنيدة ولها استحقاقاتها هي الاخرى من الادارة الامريكية المتورطة فيها، ومن زمنها الايل الى الانتهاء خلال اشهر معدودة، الامر الذي يدفع الى هذه الجولات حيث لا يمكن صناعة شرخ في التحالفات الاستراتيجية والرئيسية للدول او القوى المرتهنة مع سياساتها في المنطقة، ولا تستطيع غير مجاراتها او توزيع الادوار ومحاولات الرد على الاسئلة المنبثقة مما هو حاصل الان من توترات وتفاعلات وصدامات مؤجلة بلا افاق واضحة لصالح شعوبها وبلدانها ومستقبلها. هذا زمن كوندي، فالى متى؟.
k_almousawi@hotmail.com