عقود نفط في كوردستان ام تقسيم للعراق؟
_ مدير دائرة دراسات الطاقة في (اوبك) سابقا
ان هذه المعارضة على الرغم من مباركة الكثيرين لها ومساهمتهم فيها قد جاءت متاخرة مع الاسف وخاصة من الناحية الرسمية حيث تقتصر فقط على وزارة النفط .. وبدون ان يصدر حتى ولو تصريح من الحكومة او من متحدث باسمها يدعم وزير النفط. ولقد اكد وزير النفط في اكثر من مناسبة ان معارضته لاتمثل راياً شخصياً وانما راي حكومته. ولكن يبقى الشك قائماً حول الصمت المريب لمجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية.. وحتى مجلس النواب الذي اكتفت بعض الكتل فيه على اصدار بيانات استنكار في حين أن الأمر أشد خطورة ويستوجب على المجلس أن يناقش الأمر باستدعاء المختصين واصدار قرار بعدم شرعية تلك العقود والأبتعاد عن المساومات بين الكتل السياسية وكشف المتواطئين منها مع هذا التصرف.
وبالعودة الى الوراء فأننا نرى انه كان يتوجب على الحكومة وأد هذه الظاهرة منذ 2004 عندما دخلت شركة DNO النرويجية لتنقب عن النفط وتحفر في منطقة زاخو غير معنية باي اعتبارات وارتكازا الى مبررات مهلهلة تتحدث عن احقيتها في ذلك بموجب الدستور العراقي. هذا الدستور الذي باتت الشركات تتفلسف في تفسيره لنا لمصلحتها الخاصة بعد ان عجزنا نحن عن تفسيره ونحن نعلم انه لب البلاء لانه مفرقا لشعب العراق وليس جامعا له وان بنوده النفطية مسيسة لهذا الغرض وتفتقر الى الوضوح وتحتمل تأويلات مختلفة. كان المفروض وضع DNO فوراً في القائمة السوداء ومنع دخول منتسبيها الى العراق بل رفع ذلك حتى الى دوام العلاقات مع النرويج. لو فعلنا ذلك لما كان هذا التهافت على توقيع عقود جديدة من شركات معظمها صغيرة ومغمورة وليست ذات شأن ولما كان هذا الاصرار المهين من جانب حكومة الأقليم التي قال وزيرها "كل ما نسمع اعتراض الشهرستاني .. نوقع عقدين جديدين" وهو الذي سبق ان قال عن مسودة قانون النفط المقترح ودون ان يرد عليه احد "سنرميها في سلة المهملات" ويقال انه استعمل الكلمة الشعبية للمهملات ليجعلها اكثر اهانة لمروجي المسودة. والواقع ان الرجل ينفذ مايقول .. فمسودة قانون النفط لايوجد اسوء منها.. ولكن هذا السوء غير كاف له فشرع قانونه الخاص ولم يعد معنياً باي قانون يصدر في بغداد لان الدستور العتيد يعطيه هذا الحق كما يدعي.
هذه العقود بعددها وعديدها لاشرعية لها كما يقول كل معارضيها وكما يقول وزير النفط العراقي فاذا كان النفط والغاز ملكاً لكل الشعب العراقي فعلى اي اساس يتصرف جزء من الشعب العراقي بهذه الثروه دون معرفة او موافقة الاجزاء الاخرى.. وعلى اي اساس يتم توقيع عقود المشاركة بالانتاج .. وليس هناك لا في الدستور ولا في القوانين السابقة صلاحية بذلك والطريقة الوحيدة هي في عرضها على مجلس النواب للموافقة او عدمها بعد ان تتبع الجهة المخولة بذلك الأسلوب الأصولي في استدراج العروض والمفاضلة بينها وليس الأختيار المباشر للشركات لأعتبارات مجهولة كما يحدث الان. ومن الناحية العملية .. اليس من ملك الكل ملك الجزء .. وله عندئذ الحق في كيفية ادارة الاجزاء ام ان هذه التجزئة التي باشر بها اخواننا الاكراد ستكون شكل الادارة المقبلة لنفط العراق بعد ان يقتبسها حلفائهم او من ستكون له مصلحة خاصة بذلك؟
ان القانون المشرع على وجه السرعة في اقليم كوردستان .. يتلافى كل ذلك ليقول بان "النفط والغاز في منطقة كوردستان مملوك من شعب كوردستان" و بشكل متوافق مع الدستور .. فاي ازدواجية هذه .. واي تقسيم فعلي للعراق .. مفصل على مقاس واضعي هذا القانون وبما يناسبهم موسمياً؟ والواقع ان هذه العقود اذا ما سمح لها بالاستمرار ستخلق سابقة خطيرة وخاصة لأولئك المروجين للفدرالية والذين ينتظرون بفارغ الصبر .. تشكيل فدرالياتهم لكي يتصرفوا بنفط العراق وغيره من الموارد بنفس الطريقة . وفي اجواء كهذه فان سباقا محموما سيجري على طول العراق وعرضه وكل طرف سيحاول ان ينافس الاخر في تقديم التنازلات للشركات الاجنبية وعلى حساب عموم العراقيين. وبهذا الخصوص نسمع ان الحكيم يسوق للفدرالية ولمسودة قانون النفط في واشنطن مجددا ويقلل من اهمية الخلافات مع الاكراد بينما يطالب احد اتباعه بوقف العقود حتى يتم اقرار القانون وكانما القضية شكلية فقط في وقت يؤكد فيه وزير النفط ان الخلافات لايمكن حلها معهم ويهدد (وعسى ان ينفذ) بوضع الشركات الضالعة في القائمة السوداء.
وعلى المستوى الاقتصادي.. فانه لاتتوفر معلومات كافية عن كل هذه العقود لعدم نشرها من قبل اصحابها علما أن مسودة قانون النفط تؤكد على مبادئ الشفافية ونشر العقود كاملة. ان وزيرالأقليم يقول ان ارباح الشركات لن تتجاوز 15% .. ولا احد يعلم على اي اساس قام بهذا الحساب . اما ما رشح من معلومات حول عقد DNO فان نسبة الربح للشركة تبلغ 40% من ارباح العمليات وقد زادت هذه النسبة في عقود لاحقة. ومن الدراسة التي اجراها الأستاذ طارق شفيق والمنشورة في جريدة الحياة في 3/10/2006 فانه يستقرء عائد الاستثمار الداخلي لهذه العقود بين 60-99% بالنسبة لحقل ذو احتياطي يبلغ مليون برميل وبين 70 الى 115% في حقل ذو احتياطي 2 مليون برميل وبموجب سعر النفط بين 35 الى 70 دولار للبرميل على التوالي. ترى هل يمكن لوزير الأقليم ان يقول لنا في اي بلد نفطي كبير وعريق مثل العراق يوجد هكذا ارباح مذهلة للشركات؟ وهل يتناسب هذا مع ما ورد في الدستور العتيد من ان استثمار النفط يجب ان يحقق "اعلى المنافع للشعب العراقي"؟ أن هذه الأرباح لابد ان تنسحب على اي اتفاقيات جديدة يعقدها العراق وهي بذلك تشكل سابقة خطيرة ومكلفة. لقد كان العراقيون في السابق يعملون ضمن مؤشرات تؤدي الى عائد استثمار داخلي بين 15-18% لذا فان السخاء في هذه العقود ليس سببه الا اجواء الفرهود التي اوجدها الاحتلال والمتعاملين معه لابل ان هذه النسب ينبغي اعادة النظر بها في ضوء اسعار النفط الحالية. وليس هناك تفاصيل منشورة عن البنود الفنية في العقود الموقعة.. ولا عن كيفية التصرف في النفط والغاز و تصر شركة DNO على انها تنتج النفط وتسوقه داخلياً ولا احد يعلم اين وفي اي مصفى داخلي يعالج هذا النفط ومن يدفع اقيامه الى الحكومة العراقية او حتى حكومة الاقليم ولا حتى كيف تحصل DNO على حصتها من نفط الكلفة والربح.
ان القانون الكردي الذي أقر في 6 أب 2007 اثار غضب الكثيرين ومن ضمنهم حتى بعض اللذين لايغضبوا وفسر القانون على انه خطوة انفصالية لغياب اي تفاهم حوله مع بغداد. كما ان المصادقة على القانون خلال يومين .. تبعها سيل العقود الجاهزة والتوقيع عليها فعلاً يعني ان هناك محاولة مسبقة لخلق واقع معين على الارض والضغط باتجاه تبديلات اضافية في مسودة قانون النفط السيئة واجبار مجلس النواب على اقرارها بشكل يجرد الحكومة المركزية من اي سيطرة فعلية على موارد البلاد ويجعلها فقط منسقاً وموزعا للعائدات ومديرا للحقول المنتجة الحالية فقط وألا فهل يعقل قيام الأقليم بتوقيع 15 عقدا خلال فترة لاتتجاوز ستة أسابيع؟
على ان اخطر ما في هذا القانون والعقود الموقعة بموجبه هو تجاوزها على حدود المحافظات وخاصة في نينوى وديالى وصلاح الدين. هذه التجاوزات التي تفرض بوجود 150 الف جندي محتل ومثلهم من المرتزقة والمليشيات والالاف المؤلفة من البشمركة .. في وقت فقد فيه شعب العراق درعه الحصين.. فهل بهذه الطريقة سيبنى العراق الديمقراطي الموحد ام انه تقسيم فعلي ستتبعه حروب لا امد لها؟ ان معدات تطوير حقل خورمالة الذي هو جزء لايتجزء من حقل كركوك قد وصلت الى العراق منذ اشهر بموجب عقد موقع لهذا الغرض مع وزارة النفط الا ان شركات وزارة النفط تمنع بالقوة من نصب هذه المعدات.. في الحقل الذي خصصته حكومة الاقليم الى " شركة نفط كوردستان الوطنية " كمرحلة اولى لاهداءه الى شركة اجنبية وليس في هذا العمل سوى التجاوز على محافظة التاميم من جهة كمقدمة لسلخ كركوك بالقوة.. اضافة الى محاولة تطوير قبة خرمالة بمعزل عن حقل كركوك وهو ما لايقره المختصون وخاصة ان هناك طاقات في معدات معالجة النفط في كركوك يمكنها استيعاب نفط خرمالة كما كان مخططا في السابق. وكان على وزارة النفط أن لا تبقى ساكتة دون حراك بل كان يجب الأعلان عن منعها من أعمال التشييد وعدم مجاملة سياسي الأقليم الذين يبدو أن لا رادع يوقفهم.
والشئ ذاته يمكن قوله عن حقل كورمور الغازي الذي كانت وزارة النفط تعمل على ربطه عن طريق حقل جمبور بمجمع غاز الشمال في كركوك لزيادة الغاز المغذي للمجمع بقصد انتاج المزيد من الغاز الجاف والغاز السائل. الا ان حكومة الاقليم وقعت عقدا منفصلا لتطوير الحقل بصورة مستقلة تؤدي الى اهدار كبير في المبالغ المستثمرة وتبقى طاقة معطلة في مجمع غاز الشمال اضافة الى التجاوز على حدود محافظتي صلاح الدين والتأميم. اما التجاوز على حدود محافظة نينوى فانه استفزازي بشكل خاص بسبب التصريحات التي اعقبت افتضاحه حيث يقول السيد هورامي "ان نينوى كردية وتقع تحت حكم الاكراد سنة بعد اخرى" و "هي تأريخياً كردية وان العرب السنة هم الذين يطالبون بها" . هذه التصريحات تاتي في اميركا وفي ظل اللقاءات الحميمة التي يجريها السيد هورامي مع اساطين الغزو والاحتلال ومنظريه من امثال ريشارد بيرل وسكوتر لبي وتوني سنو كما ذكرت الاخبار. علماً بان السيد هورامي يسعى ايضا الى اقامة مصفى في حقل خورمالا بطاقة 50000 برميل باليوم.. في الوقت الذي يوجد مصفى في كركوك بطاقة 30 الف برميل باليوم وهناك مجمع مصافى صلاح الدين بطاقة 310 الف برميل باليوم وعلى بعد لايزيد عن 100 كم عن المنطقة ومع ارتباط هذا المصفى بكركوك بخط انابيب لنقل كافة احتياجات المنطقة من المنتجات اضافة الى منتجات مصفى كركوك . . وكان ينبغي مد هذه الانابيب الى السليمانية واربيل لتسهل عمليات التجهيز.
كل هذه التحركات تدل على التوجه الانفصالي لحكومة الاقليم ولو انها تريد ذلك حسب توقيتها هي وحسب الابتزاز المستمر لبقية العراقيين فهي وحلفاؤها قد فرضوا دستوراً مفرقاً للعراقيين لم تهدء بموجبه مناطق العراق منذ اقراره .. كما فرضوا قبلها انتخابات مزورة وصورية للتمكن من تحقيق ذلك ويرفضون رفع العلم العراقي في مناطقهم ويمنعون الجيش العراقي من دخولها فهل هذا اتحاد ام انفصال؟ انه اتحاد ولكن على طريقة "الشمال لنا ونتقاسم معكم في بقية العراق" .. انهم يتصرفون كدولة مستقلة بحكم الحماية الامريكية من جهة وبحكم انهم مدججون بالسلاح من جهة اخرى اضافة الى التعاون الانتهازي معهم من قبل بعض الجهات التي لاتخفي انتسابها ولا مشاريعها المشبوهة .
والحل.. يبدأ برفض الغزو والاحتلال .. وكل ما نتج عنهما .. وتوحيد كلمة كل العراقيين حول دولة ديمقراطية يتساوى فيها الجميع بعيداً عن اي تقسيمات عرقية او طائفية مقيته ويقتضي ذلك رفض التشريعات ومسودات التشريعات التي ادت الى فرقة العراقيين بهذا الشكل .
انني احيي اخواني الذين ساهموا بتعرية بنود الدستور ومسودة قانون النفط العتيد وقدموا الدعم لوزير النفط في موقفه الأخير واتشرف بانتسابي اليهم وقد كانت ولاتزال اسهاماتهم الوطنية والفكرية مفخرة للعراقيين عموما ولكن بات الوقت مناسباً لنبتعد قليلا عن النواحي الاكاديمية والفنية .. وننظر بجد الى الجوانب السياسية التي تؤدي بالتدريج الى شرذمة وتقسيم العراقيين ومن ثم تقسيم العراق. ان كل الاخطاء الفنية على اهميتها وكلفتها التي قد تكون عالية.. يمكن اصلاحها مستقبلاً ولكن ماذا يفيدنا التركيز فقط على هذه الجوانب اذا ضاع الوطن؟