في فكر المرأة
مشروع المرأة نحو الحرية
في المحورين الاجتماعي والوطني
هناء إبراهيم
5/3/2009" موت يا محمد , أني وراك ميتة "
قالتها ... وماتت , حادث وقع أول أمس في إحدى قرى العراق . ماتت فاطمة في اللحظة التي استلمت فيها خبر استشهاد أخيها .
وكانت فاطمة قد ماتت قطعة قطعة , مع موت إخوتها الثلاث , أما الباقون فلن تلحق أن تموت معهم في احتفالات اغتيالاتهم فيما إذا استمر حفل اغتيال ضباط الجيش العراقي وجنوده , لا سيما عندما يرفضون الخوض في صفقات تحمل شعار " المصالحة الوطنية " بين أزلام الاحتلال وبين أهل الوطن تحت ضغط الخنوع أو الموت اغتيالا .
ما علاقة موضوعنا وأم محمد التي ماتت الموتة القاضية بمجرد أن وصلها خبر إعدام أخيها؟ والعراق يرزح تحت مئات القصص من هذا القبيل .
انه موضوع . . . حراك المرأة في مجتمع يرزح تحت الاحتلال للعام السادس.
رزمة المصطلحات :
كان الود أن نسال فاطمة عن العنف الذي عاشته بأيدي أسرتها ذات السطوة الذكورية, وبيد إخوتها . وقد ماتت بسببهم – وهم الذين ينتمون حسب المفاهيم الذكورية إلى عالم الهيمنة الذكورية ؟ ؟ ؟ .
وذلك يقودنا إلى تداعي الأسئلة ونحن ندعي تمثيل حركة نسائية من حركات تحرير المرأة وفي الوقت نفسه نجدنا داخل المشروع الوطني لتحرير العراق.
مفارقة :
ثمة مفارقة في ان تجد الحركة النسائية الساعية إلى الحرية والانعتاق في العراق أن عليها مواجهة الإجابة الواضحة حول أسئلة عن الحرية قد تبدو وكأنها تلتقي مع أطروحات أعداء الحرية ., وبعيدا عن أي إرباك نظري لنبدأ بطرح الأسئلة انطلاقا من اقرب الوقائع :
1- هل يعقل أن يلتقي مشروع حرية المرأة بالمشروع الامبريالي الذي طرحته أميركا لاحتلال العراق على قواعد مثل : الحرية والديمقراطية وحرية المرأة والإعلام ؟ بمعنى هل أن إيماننا كنساء عراقيات ذات تاريخ في الحراك الاجتماعي من اجل التغيير والحرية يرتبط بمشروع احتلال العراق وغاياته حتى لو رفع شعار تحرير المرأة ؟ . هل يعقل أننا نقبل إجابة بوش عندما سئل في فضائية عربية عن فضائح " أبو غريب " وقدم إجابته كسبق إعلامي دون أن يعتذر على اقل تقدير قائلا: ولكننا جئنا إلى العراق بحرية المرأة وحرية الإعلام!!
2- جاءت خلف الاحتلال آلاف المنظمات النسائية ومنظمات حقوق الإنسان
ومنظمات المجتمع المدني رافعة شعار " الديمقراطية " كأنه هدف الأهداف, وبشعارات أخر, تتبنى مشاريع خدمية محدودة للمرأة لكنها ترفض أن تتبنى حقوق المرأة تحت الاحتلال , كما ترفض أن ترصد انتهاكات الاحتلال وزبانيته لحقوق الإنسان , فهل يعقل أن نطرح مشروعا في حرية المرأة بالتماهي مع هذه المنظمات ؟. ونورد على سبيل المثال كيف أن رابطة المرأة العراقية التابعة للحزب الشيوعي العراقي العضو الشريك في ما حلّ بالعراق منذ تأسيس مجلس الحكم والتي تَدعيَ رفضها للاحتلال وكيف واجهتنا عندما رصدنا اعتقال النساء البعثيات ونساء اتهمن بالمقاومة:- " ( احذرن) إنكن تدافعن عن القتلة " ! !
وعلى المنوال نفسه رفضت منظمة حرية المرأة التروتسكية الدفاع عن المرأة في الفلوجة بذريعة الإرهاب .
كما ان منظمة أمل الممولة تمويلا جيدا تربط بين خيمة العولمة وجائزة بريمر بمنح النساء 25 % من كراسي الأحزاب والبرلمان على قاعدة الكوتا النسائية.
هل يمكن ان ننسجم مع هذه الأطروحات لكوننا حركة نسائية ترفع شعار المرأة؟
3- هل للحركة النسائية الساعية إلي نهوض المرأة بواقعها ومجتمعها ان تمتثل لمكرمة بريمر كونها تشكل ربع القائمة الانتخابية لهذه الكتلة وذاك الحزب. ومن ثم تشكل ربع حجم المجلس النيابي ؟ وعلى نتائج هذه المكرمة تحصد العراقية فوزها في المشروع الأميركي في العراق ؟
4-
أ- ما هو مشروع تحرير المرأة بنظر بريمر ؟
ب - ما هو مشروع تحرير المرأة بنظر منظمات المجتمع المدني ؟
ج – كيف يحرر منظور الجندر المرأة من عنف الاحتلال ؟
د – ما هو مشروع تحرير المرأة بنظر المذاهب ؟
ه – ما هو مشروع تحرير المرأة بنظر الأحزاب السياسية ؟
و - ما هو مشروع تحرير المرأة بنظر المرأة ؟
ز – مَن يمثل مصالح المرأة , كيف تتمثل مصالح المرأة , ما هو المشروع الذي يجسد حاجات المرأة ومصالحها نحو مستقبل تسود فيه مفاهيم الحرية والعدالة والمساواة ! ! !.
حزمة مصطلحات ومفاهيم :
لو توجهنا بالسؤال إلى فاطمة التي ماتت قطعة قطعة حزنا على إخوتها المغتالين , ما هو مشروعك ضد الذكورية ؟ مع مَن تصطفين ؟ ما هي حاجاتك نحو الحرية والديمقراطية ؟ كيف تعبرين عن مصالحك ؟ أي حزب تتبعين, ما رأيك بالأنوثة , والنسوية , والنسائية ؟
هل نستطيع ان نتصور كيف ستكون إجابات فاطمة , ان الإجابة الأولى التي نتفق عليها بالضرورة ستكون:
- أعيدوا لي إخوتي .
وربما ستتبعها بإجابة أخرى : -
- أعيدوا لي بناتهم وأبنائهم المهجرين والمهجرات وقد تتبعها بإجابات أخر تتمحور حول عراق مستقل مستقر ينعم بالأمان والكبرياء والماء والكهرباء والعلاج والدواء .
حسب معرفتنا بفاطمة فإنها لن تتطرق في أولويات مطاليبها إلى حاجاتها في حرية الجسد أو رفع الحجاب , ولن تربط انعتاقها بالحركات الأنثوية ولا النسوية ولن تستغرق معنا في أحاديث حول حراك المرأة الاجتماعي قبل الاحتلال أو بعده , ان فاطمة كامرأة عراقية تتسم بالغيرية, تلغي ذاتها من اجل ذوات أهلها وناسها . إنها الأم والأخت والزوجة قبل ان تكون الكائن الإنساني , كما أنها تنظر إلى الاحتلال بعين المظلوم الذي فقد بيته وبلده وإخوته وأبنائه , فكيف تنظر حركات تحرير المرأة إلى فاطمة ؟ هل تنظر إليها بعين ( كونداليزا رايز) ؟ أم بعين رابطة المرأة لصاحبها الحزب الشيوعي, أم بعين المذهب, أم بعين المكتب النسوي لهذا الحزب أو ذاك, أم بعين بوش أو المالكي ؟
ماتت فاطمة وقالت ابنتها تخاطب المعزين : الله لا يخلي بيتاً من أمه.
عند هذه النقطة نرمي حزمة من المصطلحات على طاولة الحركات التي تعني بحرية المرأة داخل العراق وخارجه , نرميها كالنرد بعشوائية غير أنها محكومة بحزمتها ذات التناول موحد النسغ :
المرأة , المرأة المعنفة, العنف ضد المرأة, عنف الأسرة ضد المرأة,المجتمع ألذكوري, الكوتا, حرية المرأة, الجندر أو النوع الجنسي,الأنثوية,النسوية,النسائية,المرأة في ما بعد الحداثوية, حقوق المرأة, سيداو, المجتمع المدني, منظمات حقوق المرأة , الحرية,الديمقراطية,اقتصاد السوق, تسليع المرأة و و و .
دعونا نجد نقطة نتوقف عندها إذ ان هذه الحزمة من المصطلحات هي التي دخلت في مسوغات احتلال أفغانستان والعراق والصومال . . . والسودان لاحقا. . . وهي التي تقف وراءها شبكة منظمات المجتمع المدني ذات التمويل الدسم ساعية إلى إعادة هيكلة العقول وإعادة هيكلة المجتمع على قاعدة المذهب والعنصر والجنس أي على قاعدة الهويات الأكثر ضيقا....
جاعلة من فقراء المجتمع مادة للصراع ضد إخوتهم في الفقر,ومن العاطلين معسكرا ضد إخوتهم في البطالة ومن النساء حركة ضد النساء . . . بينما يتوافق مرتزقة الاحتلال على تقاسم الأدوار والأقاليم في محاصصات على قاعدة الإقطاعيات السياسية جاعلين من المذهب والعرق والجنس محفزات للصراع وبالتالي محفزات للتنافس السياسي في اللعبة الديمقراطية ! ! ! والتي يعَرفها بوش نفسه إلى أنها انتهت في العراق إلى ديمقراطية على قاعدة الطائفية ناسفا بذلك برنامجه الثوري حول حرية المرأة .
أين تكمن مصالح المرأة :
المرأة نفسها تدرك حدود معاناتها وتدرك حصتها الخاسرة في المجتمع,وبذكاء فطري وموهبة كامنة تدرك لماذا هي كائن غَيريّ , يتسم بالتضحية والوفاء والتنازل من اجل الغير, والتحمل , والصبر, والمطاولة والصراع من اجل البقاء, والمقاومة من اجل الحفاظ على الوجود . . . . .
وهي السمات ذاتها التي تستغلها أدبيات الاحتلال وقوى الهيمنة في خطابها حول تحرير المرأة ولكن على قاعدة تسليعها , فالجندر أو النوع الاجتماعي أو النوع الجنسي كترجمة حرفية منظور لإطلاق المرأة خارج ارث الموروث الاجتماعي نحو أفق مفتوح للحرية وهذا اتجاه جميل وخلاق, لكن الجندر بيد منظمات المجتمع المدني ( النسوية ) أو ( الأنثوية ) أو(النسائية) يتحول إلى وسيلة لعزل المرأة عن مجتمعها وتحويل الصراعات التي يخوضها ضد الاستبداد والهيمنة والاحتلال والاستعمار والتبعية أي ضد أس تخلف مجتمعاتنا ومجتمعات عالم الجنوب إلى غير اتجاهها الطبيعي. وبينما ماكنة الاحتلال في العراق وفلسطين والصومال تمعن في تدمير البنية التحتية لمجتمع المرأة , فان منظمات الجندر(على سبيل الكناية ) تمعن في التغاضي عن واقع المرأة الأليم وتتقاسم الأدوار مع الإقطاعيات السياسية المنبثقة من رحم مشروع الاحتلال في تحويل مجرى الصراع الذي جعل من المرأة في معسكر الفقراء والمستضعفين والمنتهكين مقابل معسكر الاستبداد والهيمنة والاستغلال .
فأين تكمن هنا مصالح المرأة من جنوب العراق إلى شماله ومن غربه إلى شرقه؟
بالتأكيد ليس في حزمة المصطلحات والمفاهيم التي تسّلع المرأة في النوع الجنسي وتستعبدها كنوع إنساني , وليس في منظمات " الجندر " التي تعزل المرأة عن إنسانية مجتمعها وإنسانية مشاريعها كشريكة معتمدة في صناعة المصير .
وعليه استطاعت المرأة العراقية غير المصنعة في مشروع الاحتلال ان تدرك مصالحها وترتب أولوياتها وتصوغ مشروعها :
لا يغيب عن وعينا كحركة نسائية طبيعة الصراع الذي نخوضه وهو صراع مركب وطنيا واجتماعيا في زمن تسعى الشركات لاحتكاره مكرسةً الهيمنة في أبشع صورها, مسلعة الإنسان على قاعدة الاستعباد, مزيفة الوعي على قاعدة تحرير السوق من اجل تحرير الأوطان مكرسة شعار البقاء للأصلح والفناء للخاسرين .
في هذا المكمن من الصراع فان المرأة هي الشريك الموضوعي للرجل على قاعدة الإنسان، وهي في الوقت نفسه الجنس أو النوع الذي خضع للاستغلال والهيمنة تاريخيا . إنها تعيش الاستلاب المركب, تفرض حضورها النوعي وتلبي الحاجة القومية لها في مراحل الاستقرار الاقتصادي والسياسي لمجتمعها,وتحصد الخسائر مضاعفة في مراحل الفوضى لا سيما تلك التي جاء بها الاحتلال إلى وطنها .
ندرك نحن نساء حركة التحرير مدى التعقيد الذي يحيط بمشروعنا في خضم المشروع التحرري الوطني .
ولذا فإن مشروعنا يعمل على محورين :
المحور الاجتماعي , والمحور القومي – الوطني
في المحور الاجتماعي:
فإن مشروعنا لا يبدأ من الصفر وإنما يجسد تراكم نضالنا التاريخي من اجل النهوض بمجتمع المرأة إلى الأفق الحضاري الذي تطورت في مناخه مفاهيم الحرية والعدالة والمساواة, وأسس التعامل مع المرأة كقيمة إنسانية وكفاءة اجتماعية خارج الموروث وبالتحرر من الأسباب الاقتصادية لتسليعها.
وفي المحور القومي - الوطني:
فإن مشروع المرأة لا يملك آفاقه في النضج والاكتمال بينما وطن المرأة يخضع للاحتلال والهيمنة والاستلاب والاستبداد .
في المشروع التحرري تبرز حاجة المرأة إلى النضال من اجل التحرير والتحرر بالمستوى ذاته الذي تبرز فيه حاجة الرجل إلى النضال من اجل التحرير, بل تدفع التحديات المرأة إلى تخطي المراحل النمطية في مشروع حريتها, وتحصد بالمقابل انتصارات مضافة يفرضها الواقع الموضوعي لحراكها , وتكسب وعيا مغمسا بالخبرات خارج التوصيفات الجاهزة( للجندر ) ومنظماته المصنوعة في قوالب متشابهة حد العقم .
حركة نسائية اجتماعية حرة مستقلة :
في تنظيم النضال الثوري ضد الاحتلال والهيمنة تاريخيا ( فيتنام, الصين،كوبا, العراق, مصر, سوريا . . الخ ) فان هذه التجارب لم تنجز للمرأة مشروعها التحرري على قاعدة الإنسان, وعادت النمطية الاجتماعية تنصاع لرغباتها في استغلال ادوار المرأة حسب حاجات التطور الاقتصادي لهذه التجربة أو تلك, وإذا ما أصيبت التجربة بانتكاسة أو تراجع فان المرأة تخضع لأوليات " الحزب " وأوليات الموازنات السياسية على حساب عمق مشروعها, وإذا ما طال المجتمع تراجعا في وتائر التطور فإن حصة المرأة من التراجع هي الأكبر بالاستناد إلى أدوارها الاجتماعية النمطية الداعمة لتماسك المجتمع ووحدة الأسرة في الزمن الصعب .
فبين اغتراب قضية المرأة وتسليع المرأة في مفاهيم الليبرالية لصالح التنافس الرأسمالي , وبين تراجع أولويات المرأة في التبعية للحزب "القائد" وبيروقراطية الأداء السياسي, وبين هيمنة العشائرية والمذهبية في ملفات الصراع العتيق- الجديد الذي يخضع له واقعنا العربي, نصل إلى ان التأسيس للحراك الاجتماعي لا بد ان ينبع من حاجات المجتمع,مشروعا,وآليات في مساع تبدأ بأبسط أشكالها إلى إعادة احترام جوهر العمل النقابي, وإعادة هيكلته بما يخدم أهدافه النوعية المستقلة عن التنافس السياسي اللاهث نحو السلطة بمعنى أوضح ان الحراك الاجتماعي ينبع من الحاجة إلى التغيير بمتطلباته التاريخية وليس القفز إلى السلطة خارج الخط التاريخي .
وعليه فإن وعينا لنضالنا وحراكنا الاجتماعي – الوطني كنساء ينطلق من واقع المرأة على الأرض ويجسد قضاياها من جذورها ويحول معاناتها إلى برامج عمل تعكس وحدة مصالحها في مشروع تحرري قائم بحد ذاته, وعليه أيضا فإن نضالنا وحراكنا الاجتماعي – الوطني يرفض التبعية لهذا الحزب أو ذاك أو لهذا المذهب أو ذاك حتى لا يصادر المذهب مشروع المرأة لصالح عباءته المذهبية, وحتى لا يصادر الحزب مشروع المرأة لصالح أغراضه السياسية المرتهنة بالسلطة أو التنافس عليها .
ان مشروع المرأة التحرري يبتكر آلياته ويرتهن بحاجات المرأة في تحرير وطنها وأمتها ومجتمعها ,ويعمل على الارتقاء بواقعها نحو مجتمع الطموح.
ان دورنا اليوم كنساء يخضن النضال في مشروع التحرر الوطني, لا يتوقف عند الحاجة لنا كرقم يمثل 63 % من التركيبة السكانية , رغم خطورة هذا المؤشر, إنما يرتقي نحو الحاجة النوعية لأنفسنا في قيادة دفة المستقبل بما يخدم عميقا مهمة الارتقاء بواقعنا ومجتمعنا نحو مجتمع الطموح .