بقلم/باتريك سيل
بدأت وزيرة الخارجية الأميركية بداية طيبة في الشرق الأوسط من خلال رحلتها الأخيرة، وذلك عندما أعادت التأكيد على الالتزام الأميركي بحل الدولتين للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، وأظهرت عدم رضاها عن سياسة إسرائيل في هدم المباني بالقدس الشرقية، وأعلنت عن بدء حوار مع سوريا، ودعت إيران إلى مؤتمر دولي عن أفغانستان. وهذه الخطوات تؤشر على وجود نوع من الفكر الراديكالي الجديد في واشنطن، وذلك بعد الأخطاء الكارثية التي وقعت في زمن إدارتي بوش، كما أنها تثير في ذات الوقت آمالاً كبيرة - ربما أكبر من اللازم - في المنطقة. والعرب، على وجه الخصوص، يتوقعون الآن من أوباما، ووزيرته الانتقال من الكلام إلى الفعل. ولكن، ما الذي يريده العرب من أوباما على وجه التحديد؟ هذا السؤال كان أحد المحاور الرئيسية في مؤتمر دولي عقد في كلية دفاع "الناتو" بالعاصمة الإيطالية روما خلال الفترة4-5 مارس الجاري، والتى حضرها مشاركون من الشرق الأوسط، والولايات المتحدة وأوروبا. وكان من المحتم، أن تكون توقعات العرب من أوباما، والتي عبر عنها موفدوهم في المؤتمر، مختلفة عن توقعات الموفدين الإسرائيليين، ولكن ذلك لا ينفي أن المؤتمر كان ممارسة مفيدة في مجال التنوير المتبادل. فقد استمع الحاضرون في المؤتمر إلى الموفدين العرب، وهم يقولون إن المطالب العربية من واشنطن يمكن تلخيصها على النحو التالي:
أولاً: يجب على الولايات المتحدة أن تفصح بالتفصيل، عن رؤيتها الخاصة بالتسوية السلمية للصراع العربي - الإسرائيلي، وإن تعلن صراحة تصميمها على حل الصراع وليس فقط الاكتفاء بإدارته.
ثانياً: هدف الولايات المتحدة يجب أن يكون هو تحقيق السلام الدائم، بمعنى أنه يجب أن تكون هناك حركة منسقة على المسارين السوري والفلسطيني معاً لأن أي محاولة لدفع السلام بين إسرائيل وسوريا قدماً للأمام، مع تأجيل حل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني لمرحلة لاحقة هي محاولة محكوم عليها بالفشل. على نفس المنوال، فإن التركيز على المسار الفلسطيني، على حساب إهمال المسار السوري كان في حقيقته وصفة للفشل. وعلى الرغم من صعوبة الحركة المتزامنة على المسارين في الوقت نفسه فإنه يجب الإقرار أن أيهما لن يصل إلى نهايته من دون الآخر.
ثالثاً: على الولايات المتحدة أن تتغلب على إحجام إسرائيل المعروف على التفاوض مع سوريا والفلسطينيين في الوقت نفسه، ويجب عليها استخدام نفوذها الكبير من أجل إقناع إسرائيل بالجلوس على مائدة المفاوضات، بنفس الطريقة تقريباً التي نجح بها وزير الخارجية الأميركية الأسبق بيكر في إرغام رئيس الوزراء الإسرائيلي "اليميني" المتشدد شامير على حضور مؤتمر مدريد للسلام عام 1991.
رابعاً: ينبغى على الولايات المتحدة الإصرار على التجميد الفوري والكامل للتوسع الاستيطاني الإسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة. فمن بدون هذا التجميد سوف يكون مصير أي مفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين هو الفشل.
خامساً: يجب على الولايات المتحدة، بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، وروسيا، والأمم المتحدة أن يلعبوا دوراً فعالًا في المحادثات التي ستجري على المسارين -ويمكن لتركيا أيضا أن تلعب دوراً مفيداً في هذا الخصوص. ويجب على هذه الأطراف الخارجية التي تلعب الولايات المتحدة الدور الرئيسي بينها، أن تحفز الطرفين على الدخول في مفاوضات، وأن تَحكّم بينها عند اللزوم، وأن تراقب تنفيذ الاتفاقات التي يتم التوصل إليها، وأن تكون على استعداد لتقديم الضمانات الأمنية إذا ما كانت هناك حاجة إليها. كما يجب عدم ترك الفلسطينيين وسوريا لمواجهة إسرائيل بمفردهما، لأن الاختلال الكبير في موازين القوى بينهما وبين إسرائيل، لم يسمح بالوصول إلى محصلة مرضية لهما، في أي مفاوضات أجريت بين الأطراف الثلاثة في الماضي.
سادساً: يجب على الولايات المتحدة كبح جماح النزعة العسكرية الإسرائيلية بدلاً من إطلاق العنان لها، كما فعلت إدارة بوش أثناء حرب لبنان 2006، وعندما قامت تل أبيب بضرب المنشأة النووية السورية المزعومة عام 2007، وضرب غزة خلال شهري ديسمبر ويناير الماضيين. ويجب على الولايات المتحدة -بشكل خاص -أن تقف بصرامة في وجه أي تفكير نحو توجيه ضربة جوية إسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية. ولكن ما هي الخلفية التي تقف وراء الطلب الأخير؟ من المعروف أن تدمير العراق بواسطة الولايات المتحدة، قد قلب ميزان القوى الإقليمي لصالح إيران التي برزت كقوة إقليمية منافسة لكل من إسرائيل والولايات المتحدة. وإسرائيل على وجه الخصوص، وبسبب من قدراتها النووية الكبيرة والمتفوقة، عادة ما تقوم بتصوير البرنامج النووي الإيراني باعتباره تهديداً لوجودها ذاته يجب إزالته بكافة الوسائل بما في ذلك القوة إذا لزم الأمر. ليس هناك شك أن معظم جيران إيران من العرب يشعرون بالقلق من صعودها. وأحد السجالات الرئيسية في السعودية، ودول الخليج، ولبنان، ومصر في الوقت الراهن هو ذلك الخاص بالكيفية التي يمكن بها احتواء إيران ونفوذها المتنامي. ولكن أي قلق مصدره إيران، يتضاءل إلى جانب القلق من احتمال توجيه ضربة إسرائيلية لتلك الدولة، وهي ضربة قد تكون كارثية لدول الخليج العربية، التي ستجد نفسها في حالة وقوع مثل هذا الهجوم في مرمى النيران المتقاطعة. وفي الحقيقة أن أي صدام إيراني - إسرائيلي يمكن أن يشعل فتيل حرب أقليمية ذات آثار مدمرة على العرب والأميركيين والمصالح الإسرائيلية في الوقت ذاته.
إن العرب يحلمون بوجود منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، ولكن بما أن هذا الحلم غير وارد التحقيق في الوقت الراهن بسبب إصرار إسرائيل على أن تكون القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط، فإن العرب يأملون من الولايات المتحدة أن تتبنى على الأقل هدف تحقيق توازن القوى الإقليمي بدلاً من منح إسرائيل ميزة تفوق عسكرية على العرب أجمعين. والحجة التي يقدمونها لتبرير ذلك الأمل، هي أن توازن القوى هو الذي يحافظ على السلام، في حين أن اختلال ذلك التوازن يسبب الحرب، لأن القوى الأكبر ستسعى في هذه الحالة لفرض قوتها على خصومها الأضعف، وهو ما أظهرته بوضوح حرب غزة.