8/3/2009
والان بعد نهاية العمل , اجلس لوحدي لاعيد قراءة السنه الماضيه , واعمل تقييما للتجربه ,واحب ان يكون تقييمي بعيدا عن الطعن بالناس او التملق لهم ..فقد جلست في قلب الاجتماعات وسمعت وناقشت ورأيت كيف تعمل هذه المنظمات وخرجت برؤيا قد تكون عامه , وقد تكون رأي شخصي بحت , لكني أحب ان اكتبها هنا حتى لا أنساها :المنظمات الدوليه تعين موظفين جدد وجنسياتهم اجنبيه , لكن في الواقع لا يشكلون أية اضافه ايجابيه على تحسين الاداء في المشاريع , سوى ان رواتبهم تستنزف ميزانية المانحين , ويحضرون الاجتماعات لنتعرف عليهم ونرحب بهمتوضع المشاريع حسب رؤية وقناعة هؤلاء الموظفين الذين يشكلون طاقم الموظفين الكبارويكون الموظفون المحليون تحت قيادتهم, وهذا خطأ واضح, الموظف المحلي ينبغي ان يقود هؤلاء ويعطيهم فكرة عما يدور في هذه البلاد وما يحتاجه السكان او الضيوف من اللاجئين من برامج ومشاريعo يخترعون برامج تستهويهم وتستنزف الميزانيه من المانحين, وهي في الحقيقه لا تؤدي تحسن في ظروف اللاجئين او السكان المحليين المستفيدين من البرامج المذكورةo الحاجات الحقيقية التي تطلبها الفئه المستفيدة, يتم غض النظر عنها وتهميشها والاستخفاف بهاوتعطى الاولويه لبرامج تستهوي هذا الموظف الاجنبي مثل العنف المنزلي أو العنف ضد الطفل. وقناعتي دائما ان العنف المنزلي او العنف ضد الطفل سببه هو هذه الاحباطات النفسيه التي يعيشهاالاب أو الأم, هذه الظروف الاقتصاديه السيئه التي تعيشها العائله , اعطوهم تمويل لمشاريع صغيرة اعطوهم مهارات حتى يجدوا عملا افضل , هذا سيقلل من العنف المنزلي والكلام الفارغ الذي تركضون وراءه , لا احد يصغي كالعادة .o تطبيق برامج مثل توزيع كاش بسيط ومساعدات عينيه مجانيه مثل صوبات وبطانيات ومواد تنظيف , والتوزيع احيانا يتم لهذه المواد العينيه بطريقه مفاجئه وعشوائيه غبيه لا عدالة فيها ,هذه تربي الناس حتى يكونوا اذلاء وطماعين ويحبون الوقوف لساعات طويله حتى يستلموا مساعدات تافهه , هذه تحطيم لشخصية الناس الذين يمرون في محنه , وليست برامج بناء لشخصياتهم واعادة الثقة بالنفس, بل بالعكس فهي تربي فيهم شخصية الشحاد الذليل وبمرور الوقت الناس تسقط كرامتهم ويستمتعون بلعب هذا الدور السخيف .o الرقابه ضعيفه وتافهه على المنظمات التي تقوم بدور الشركاء , وذلك لقلة الزيارات الميدانية والاكتفاء بتدقيق السجلات والتي يمكن تزوير الفواتير والنشاطات ولا احد يدري ان فيها كان الكثير من الخدمات الوهمية التي لم تنجز ابدا , لكن من يدري ومن يثبت العكس؟o اكتشفت انه حتى المنظمات العالمية التي تعمل على تطبيق البرامج في الاردن هي ليست نزيهه, وهي ايضا عندها موظفون فاسدون ربما من المحليين , لكن كون مدير البرامج اجنبي , هذه نقطة ضعف لانه لا يملك اتصال كامل بالمجتمع المحلي يمكنه من متابعة مصداقية انجاز البرامج او مصداقية التوثيق الذي في الفايلات ( اللغة حاجز اساسي احيانا )o رأيت مشاريع تنجز وتصرف فيها عشرات الالاف من الدولارات وهي ليست ذات منفعه حقيقيه للناس , لكنها تربي فيهم حب المشاركه من أجل الكسب مثل تقديم مبالغ كاش عاليه للمواصلات او وجبة غداء مجانيه لكل فرد من العائله يحضر تلك الفعاليه , تذهب النساء واطفالهن ليس لما يحتويه النشاط من قيم او اكتساب مهارات بقدر ما يكسبون من فوائد ماديه , وبالمقابل فالمنظمه يمكنها ان تقدم توثيق وهمي أو كاذب عن عدد الحضور وخصم مبالغ كبيرة من الممول لكل نشاط تافه انجز , فصارت العمليه تجاريه محضه , اجذب المنتفعين بسبب دفع نقود كاش لهم ووجبة غداء, واعطي انطباع للمول ان البرنامج ناجح وان المستفيدين اعدادهم كبيرة , وهذه لعبة سخيفه للاسف يشارك بها اللاجئون بكل غباء وهم لا يدركون انهم يشجعون هذه المنظمات على السرقة والاستمرار بتقديم خدمات وهميه لا معنى لها , لكن التقارير تعطي مؤشر ايجابي ان هذه المنظمه لها اعداد كبيرة من المنتفعين ويستمر التمويل ..o نفس اللعبه تقوم بها المنظمات المحليه , يعينون موظفات محليات برواتب عاليه تقارب الالف دولار والموظفه صغيرة السن بلا خبرة ولا مؤهل عالي , يكن عادة قريبات وصديقات مديرة المنظمه , ويتم التعامل مع اللاجئين بقسوة وتكبر من قبل هؤلاء الموظفات , هذه حسب الشكاوي التي كنت اسمعها يوميا من العراقيين الذين يراجعون تلك المنظمات , وعندما يحتاجون متطوعات يعملن في تلك المنظمات فانهم ياخذوهم من العراقيات صاحبات الشهادات الجامعيه والخبرة الطويله ويعطوهن رواتب رمزيه تتراوح بين مائة وخمسين الى مائتين دولار , من ضمنها طبعا ستكون نفقات مواصلات المتطوعه المسكينه التي ستطرق الابواب لتحصل على معلومات من عائلات عراقية لعمل فايل لكل عائلة هذه الخدمه يسمونها خدمة الوصول إلى الغيرOutreach Service ثم تقدم جداول المعلومات التي تم تجميعها للمفوضيه العليا ,كنت الاحظ احيانا مصاريف نشاطات بعض هذه المنظمات مثل يوم اللاجيء العالمي تقدم كما يلي :
عرض فيلم للنساء , تكلفة الاجهزة والقاعه كذا مئة دولارمحاضرة : تكلفة القرطاسية والقاعه كذا مئة دولارالعاب ورسم على وجوه الاطفال : تكلفة شراء الرسوم وتفاصيل اخرى كذا مئة دولارتقديم سندويشات للاطفال والسيدات : تكلفة كذا مئة دولاروالنتيجة بعد هذا الاحتفال ليوم واحد : المجموع : خمسة الاف دولار !والله رأيتها بعيني السنه الماضيه ,السؤال : ماذا اضاف هذا النشاط للاجئين ؟
اعطيني الان خمسة الاف دولار اشتري بها ادويه لمهجرين او لاجئين ...اشتري بها مكنات خياطه للاجئات والمهجرات يخيطن ملابس لاطفالهن ..اشتري بها منظومات تعقيم ماء لمهجرين او لاجئين ليشربوا ماءا نظيفا ...اصلح بها شبابيك وجدران وابواب وصفوف وكراسي وطاولات مدرسه في قرية عراقيه نائيه بها مئات الطلاب الفقراء ...لكن المشكله هي ان هنالك ثمة خلل في الممولين , وخلل في المطبقين للبرامج , لا ادري هل ثمة غباء ام فساد ام حسن نيه ام سوء نيه لا ادري , تحيرني هذه الاسئله ولا اجد لها جوابا ....******************************************************
بعد نهاية العمل , كنت افكر كثيرا واتساءل عن اسباب الخراب الذي يعيشه العراق بعد الاحتلال , وما معنى ضعف الرقابه وما معنى الفساد الاداري ؟فلو كنت مديرة للمشروع ولم اتمكن من زيارة الفروع ميدانيا لرؤية العمل بعيوني ومقابلة طاقم الموظفات وسماع آرائهن حول تحسين العمل او مشاكله وصعوباته , ورؤية المنتفعين من المشروع لسماع شكواهم او ردود افعالهم , واتحقق بنفسي من انجاز كل شيء بالطريقه الصحيحه , فكل هذه الاشياء كانت تطور العمل وتدفعه للأمام , ولو حرمت منها كنت سأرى فشلا واضحا أمامي ..
لكن, لو كنت وزيرة في الحكومه العراقيه الحاليه , او عضوة برلمان , بكل خبرتي وطموحاتي , كيف يمكنني تطبيق اعادة اعمار البلاد وأنا لا اقدر على زيارة المواقع لسوء الاحوال الامنيه ؟كيف اثق ان المشاريع طبقت بطريقه صحيحه ؟كيف اصدق ان الاموال انفقت في المكان الصحيح ؟هل سيكون عندي طاقم من المساعدين الذين يستحقون الثقه وينقلون لي المعلومات الحقيقيه من الميدان ؟ام انني ساكون محاطة بموظفين فاسدين يستغلون فرصة انقطاع التواصل بيني وبين الناس لتوصيل معلومات وهميه لي ؟كيف يمكن انجاز اعادة اعمار البلاد وطاقم اصحاب القرار لا يقدر على النزول للميدان لرؤية تنفيذ المشاريع بعيونهم,
الآن فهمت اكثر ما هي حقيقة مأزق الحكومه العراقيه الحاليه , ولماذا تفشى الفساد والسرقات دون انجاز حقيقي لاعادة اعمار البلاد .....وكم هي كبيرة وعميقة الفجوة بين الناس الفقراء والمحتاجين والمهجرين , وبين صناع القرار,