مؤتمر النسوية العربية: بين النظرة النقدية والتشويه الاعلامي
لا يزال بامكان الاعلام مفاجأتنا بتقديم تقرير مشوه الى حد يشككنا بمجمل مايقدم اعلاميا. ظننا، أننا بسبب الكتابات المستمرة، وبالامثلة قد بتنا محصنين ضد استخدامه كأداة فجة للتضليل، غير ان انتقائية بعض اجهزة الاعلام وامكانيات تعتيمها فضلا عن مساحة تأثيرها التي قلما تتاح لمنظمة او جهة اخرى، لا تزال تصيبنا بالدهشة والغضب. وانا لا اتحدث هنا عن حدث سياسي استراتيجي تساهم الادارة الامريكية واجهزتها الاعلامية، مثلا، في تغليفه لكي يقدم الينا بالشكل الذي ترتئيه مناسبا لمصالحها. لا أتحدث في الموضوعات التي باتت من دروس الاعلام الكلاسيكية في التضليل، وأبرزها، في السنوات الاخيرة، اتهام العراق بامتلاك اسلحة الدمار الشامل وشن 'الحرب على الارهاب'. لا أتحدث عن دفع الجيش الامريكي اجورا، بالقطعة، لصحافيين ينشرون مقالاته اطراء لـ'منجزاته' باسمائهم. بل اتحدث عن التغطية الصحافية لمؤتمر حضرته شخصيا، كان واحدا من عدة عقدت في اليوم ذاته في بيروت، الحافلة باللقاءات الفكرية والادبية وحلقات البحوث والدراسات الأكاديمية، وكيفية تحويله، اعلاميا، من مؤتمر بحثي وفكري نقدي الى مسرح للمهاترات حول نقطة واحدة او نقطتين معينتين. وقد قرأت وشاهدت التغطية الصحافية للمؤتمر، بعد ايام من انعقاده، من قبل مراسلة قناة السي ان ان الامريكية (اقدمها هنا كمثال لتغطيات أخرى)، جعلتني، وانا العاملة في مجال الاعلام العربي والغربي منذ 25 عاما، ابدأ بالشك فيما اذا كنت قد حضرت ذات المؤتمر أو ان من غطت المؤتمر، اعلاميا، كانت تتحدث عن المؤتمر ذاته. ثم ومع انتشار تأثير التغطية 'المثيرة' بدأت اتساءل عما اذا كان المؤتمر الذي حضرته قد عقد اساسا بحضور ذات الباحثات والاكاديميات اللواتي تم الحديث عنهن! المؤتمر المعني هو 'مؤتمر النسوية العربية: نظرة نقدية' الذي عقد في بيروت (4 7 تشرين الاول/ اكتوبر) وتم فيه تقديم ما يزيد على الخمسين ورقة والبحث الاكاديمي من قبل اكاديميات وباحثات وناشطات في المجال النسوي من العديد من الجامعات العربية والغربية. وقد تم تقسيم محاور المؤتمر الى: الاتجاهات الجديدة للفكر النسوي العربي، الدراسات النسوية والتحولات الاجتماعية، النسوية والاسلام، النسوية والاسلام والعلمانية، الحرب والاحتلال والنسوية العربية، بالاضافة الى ثلاث طاولات مستديرة لمناقشة النسوية والفنون، العولمة والكولونيالية النسوية، والنسوية في العالم. وجاء اختيار المحاور بناء على استشارة اللجنة التحضيرية للمؤتمر المكونة من جين سعيد المقدسي ورفيف صيداوي ونهى بيومي (وهن عضوات مؤسسات في تجمع الباحثات اللبنانيات) للمساهمات قبل انعقاد المؤتمر. وقد عالجت المساهمات، ضمن المحاور المحددة، باللغتين العربية والانكليزية مع توفر الترجمة الفورية، موضوعات غنية جمعت ما بين اتجاهات الدراسات الفكرية المتعددة والدراسات الميدانية، ولعل القاء نظرة سريعة على بعض عناوين الاوراق والبحوث سيوفر فرصة الاطلاع على الجو الايجابي العام الذي صاحب المؤتمر في ايامه وجعل الحاضرين من الطلاب والاكاديميين والمتابعين يزدادون عددا يوميا، وليس كما تعودنا، في مؤتمرات اخرى، يتناقصون تدريجيا الى حد الغياب بعد الجلسة الافتتاحية. وهذه نقطة مهمة تسجل كأنجاز هام للباحثات المنظمات اللواتي قدمن هن أيضا اوراقا بحثية بالاضافة الى جهد التنظيم المرهق لمؤتمر دولي. من بين الاوراق التي قدمت: نشأة النسوية العربية:الامكانيات والتحديات (الامارات) حدود الفكر النسوي العربي واطره القيمية (قطر) هل هناك نسوية سعودية (السعودية)، سؤال الحرية والمنظور النسوي للاعمال الابداعية العربية ( السعودية) المرأة الكويتية بين الحرية واللامبالاة (الكويت)، اتجاهات وتيارات في الفكر النسوي الاسلامي (مصر)، وجوه المنهج النسوي التجديدي للتفسير القرآني بنت الشاطىء وآمنة ودود (تجمع الباحثات اللبنانيات)، الحركات النسائية الفلسطينية بين العلمانية والاسلاموية (جامعة بير زيت) تطور دور النسويات الاستعماريات تحت الاحتلال (العراق)، نظرية ما بعد الحداثة والنساء المسلمات (جامعة نيويورك). هذا غيض من فيض من الدراسات التي، ان كان هناك مأخذ على المؤتمر، فلكثرتها. وجاء تقديم الاوراق المتعددة على حساب النقاش الذي كان يجب ان يأخذ حيزا أكبر، وان رأى عدد من المشاركات في المؤتمر ان وجود هذا العدد الكبير من المشاركات هو في حد ذاته، فرصة نادرة للقاء وتبادل الآراء على هامش المؤتمر مع ترتيب التواصل المستقبلي. فما الصورة التي رسمها الأعلام عن المؤتمر؟ اذا ما نظرنا الى تغطية اوكتافيا نصار، المحررة الاقدم لشؤون الشرق الاوسط، عبر المقابلة التي اجريت معها على قناة السي أن أن، لوجدنا بانها لم تكتف باعطاء الرأي المشوه، بل وقدمت معلومات خاطئة، ايضا، في صورة اضفت عليها 'الاثارة' و'الندرة' المرتبطة، دوما، بالتقارير التي تغطي نشاطات المرأة العربية والاسلامية، مما يجعلنا نستحضر أغلفة الكتب المنتقاة من قبل الدول الغربية للمؤلفات العربيات ومعظمها يظهر المرأة المنقبة بعينين واسعتين ساحرتين، للجمع ما بين رمزية العبودية للتسلط الديني والذكوري والاثارة الجنسية المخفية الى حد دفع الناظر الى تمزيق الحجاب. وهو منظور لم يرحم حتى اغلفة كتب نوال السعداوي التي اعيدت طباعتها، أخيرا، من قبل دار نشر زد الاكاديمية، في لندن. استهلت مقدمة برنامج السي ان ان الحديث بالقول ' أقيم أخيرا مؤتمر للنسوية العربية. نعم النسوية العربية. فكروا جيدا، توقفوا لبضع ثوان وفكروا... نعم النسوية العربية'، فكان تكرارها، الاستغرابي المتعجب لمجرد وجود مفردتين في اللغة تعنيان 'النسوية العربية' دافعا لاوكتافيا نصار ان تبدأ شوط السباق اللاهث للتأكيد هي الاخرى بانها مسألة مهمة حقا ان تكون هناك 'نسوية عربية'. واستهلت السباق بخطا فاضح اذ قالت بان المؤتمر نظمته 'المجموعة النسوية' بينما، في الحقيقة، ان المؤتمر قد تم تنظيمه من قبل 'الباحثات اللبنانيات' ثم حثت المشاهدين على زيارة موقع المجموعة النسوية وكيف انها التقت بـ'نجمة' المؤتمر التي وضحت لها الفرق بين الحركة النسائية والنسوية. ويتماشى وصف 'النجمة' بطبيعة الحال مع الصورة المفترضة. ثم انتقلت اوكتافيا الى اختزال المؤتمر بكافة محاوره التي عالجت المنظور النسوي تجاه كل شيء تقريبا من التعليم واولويات المرأة والهوية والوطنية الى الدين واللغة والاحتلال وحركات التحرر الوطني والنيوكولونيالية، اختزلته بانتقائية لامثيل لها بالقول ان 'كل ما تريده المرأة في السعودية هو ان تقود السيارة'، و'لمن لايعرف من المشاهدين اقول بان تعدد الزوجات منتشر ومقبول في الشرق الاوسط'، وان 'النساء لايفهمن قيمة ان يكن مستقلات او ان يفهمن معنى الاختيار'، وكأن الحاضرات في المؤتمر من الحيوانات النادرة الفريدة من نوعها ولسن نتاج مجتمعهن بكل تناقضاته وتحدياته وتطوره، واختتمت حديثها بالقول بان 'من يتحدثن عن الحركة النسوية في هذا المجتمع التقليدي يتعرضن للخطر ويجب التصفيق لهن'. لقد انتقلت اوكتافيا نصار في البرنامج من التغطية السريعة المضللة للمؤتمر الى تقديم الصورة النمطية المقبولة في الاعلام الغربي عن المرأة العربية مع اعطاء المشاهد الاحساس بان بامكانه ان يلعب دورا في مساعدة هذه النسوة عن طريق 'تشجيع نضالهن والتصفيق لهن'، متعامية عن حقائق كثيرة أوضحتها الورقات الجادة التي قدمتها الاكاديميات والباحثات والناشطات والدالة على عمق ديناميكية الحركة النسوية التي نشأت، كما جاء في احدى الورقات، في بداية القرن الماضي وان المرأة، غالبا ما ساهمت جنبا الى جنب مع الرجل، في مرحلتي التحرر الوطني والبناء التنموي فيما مرحلة مابعد الكولونيالية، وكيف ان وضع المرأة، اقتصاديا وسياسيا وقانونيا، يختلف من بلد الى آخر، وانها لاتزال، على الرغم من الضربات الكبيرة التي تعرضت لها البلدان العربية من احتلال وانظمة قمعية مستخذية للنيوكولونيالية، تناضل، على مستويات عدة وضمن حركة التطور العضوي للمجتمع ككل. |