استجواب توني بلير في محكمة الشعب
السبت, 30 يناير 2010 04:11
هيفاء زنكنة
لن اناقش هنا نص شهادة رئيس الوزراء البريطاني السابق توني، واستجوابه، يوم الجمعة 29 كانون الثاني/يناير، حول مسؤوليته وحكومته في غزو العراق ومن ثم تمحيص شرعية الغزو وفق القانون الدولي، بل ساعود اليها في الاسبوع المقبل لانني اود التركيز، الآن، على ملابسات وحيثيات الاستدعاء للاستجواب وكونه خطوة اولى في طريق نأمل ان يؤدي مستقبلا الى تقديمه الى المحاكمة كمجرم حرب وبالتالي تحقيق العدالة للعراق. لأن الاعتراف بلا شرعية الحرب يعني تحمل الحكومة البريطانية مسؤولية ما حدث للعراق وشعبه نتيجة الغزو وما يترتب على ذلك من تعويضات للخسائر البشرية وتدمير البنية التحتية، وهذا هو جوهر ما يطالب به الناشطون في برنامج 'العدالة للعراق'، ايمانا منهم بان العدالة لا تتحقق ما لم يصاحبها الاعتراف بالجريمة وتحمل نتائجها كخطوة اولى.
وعلى الرغم من كل المآخذ بشأن استقلالية اعضاء لجنة التحقيق بشأن الحرب على العراق انفسهم، وكونهم طرفا في مؤسساتية البلد الغازي، وعلى الرغم من نعومة الاسئلة الاكاديمية الموجهة الى الساسة والموظفين في حكومة بلير والدولة، والتي وصفت بانها تصب باتجاه تبرئة الحكومة البريطانية ممثلة برئيس وزرائها من تهمة لاشرعية الغزو والحرب، الا ان هناك اشارة مشجعة في طريق الحرب الظالمة. حيث تدل، حتى اكثر الاجابات حذرا من قبل مسؤولي الحكومة البريطانية، حتى الآن، بان قرار خوض الحرب كان منافيا للقوانين الدولية لانه لم يستند الى قرار ثان صادر من مجلس الامن لشرعنته. وان توني بلير كان قد اتخذ قرار غزو العراق، سوية مع الرئيس الامريكي جورج بوش، لتبديل نظام صدام حسين، منذ عام 2002، وليس كما يدعي بعد ' استنفاد كل الطرق القانونية' وان اتهام الحكومة العراقية بحيازة اسلحة الدمار الشامل كان كذبة اعلامية لتسويق الغزو. قد تبدو هذه الاعترافات مجرد تحصيل حاصل في النهاية، خاصة وان كل المناوئين للغزو والحرب كانوا يعرفونها، الا ان الاقرار بها من قبل الدولة الغازية مسألة بالغة الاهمية، من الناحية القانونية، التي نحن بأمس الحاجة اليه لتخليص العراق من كارثة الاستعمار الجديد واتفاقياته التي كبلنا بها وكلاؤه، كما ستكون الاساس الذي يمكن الاستناد عليه في مجال استحصال التعويضات للاضرار التي لحقت بالعراق والعراقيين.
لقد سبب الغزو تحطيم العراق وخرابه، وتدل تقارير المنظمات الانسانية والقانونية الدولية الموثقة بانه وعلى الرغم من ان ايراد النفط يزيد على 700 مليار دولار منذ 2003، يعاني المواطن من فقر مدقع وسوء تغذية وحرمان صحي.
وحلت بالعراق كوارث مليونية في وقت قياسي. حيث قتل ما يزيد على المليون شهيد وان هناك اكثر من مليون معوق ومليون ارملة وخمسة ملايين يتيم. ويشير تقرير لاوكسفام بان 92 بالمئة من اطفالنا يعانون من صعوبة في التعلم وان 30 بالمئة فقط يداومون في المدارس الثانوية، وان نقص الخدمات الاساسية من ماء نظيف وكهرباء ودواء قد وصل حد الكارثة وتجاوز في انحداره سنوات الحصار الجائر. لقد أدى الغزو الانكلو امريكي الى هجرة ونزوح ما يقارب الخمسة ملايين مواطن، لا يفكر معظمهم بالعودة تحت الظروف اللا انسانية الراهنة. وهي اكبر هجرة جماعية تشهدها المنطقة منذ الاحتلال الصهيوني لفلسطين في عام 1948، ويخبرنا مؤتمر منظمات اعانة اللاجئين الذي عقد في دمشق، اخيرا، بان من بين الـ260 ألف مهجر المسجل رسميا هناك الف شخص فقط يرغب بالعودة.
واحتل العراق مرتبة اولى في اكثر الدول فسادا بعد ان ساهمت قوات الغزو في تنصيب ساسة جل همهم تقاسم المناصب وفق محاصصة طائفية وعرقية غريبة علينا. وصار الاعتقال والاختطاف وانتهاك الاعراض سيفا مسلطا على رقبة كل من يرفع صوته بالاحتجاج او يشير الى الحقيقة. فمن الذي يتحمل مسؤولية هذه الجرائم؟ أليس توني بلير واحدا من المسؤولين وهو الذي اختار الوقوف بجانب الرئيس الامريكي جورج بوش داعما لسياسته الامبريالية التوسعية في بلادنا والشرق الاوسط باجمعه؟
لقد ثابرت المنظمات البريطانية مثل منظمة 'أوقفوا الحرب' و'العدالة للعراق' والمجموعات العراقية مثل 'تضامن المرأة لعراق مستقل وموحد' على العمل بمثابرة من اجل اثارة قضية الحرب على العراق وفضح دور الاعلام بدفعها الى زاوية النسيان، وتذكير الناس بجرائم المحتل وانتهاكاته، والعمل كمجموعات ضغط سياسي للتوعية بالفرق مابين النمو العضوي للديمقراطية والدمقرطة غزوا واحتلالا. لقد ادى تزايد الجرائم المرتكبة بحق الشعب العراقي، خلال السبع سنوات الاخيرة، الى اثارة غضب شرائح من ابناء الشعب البريطاني، من بينهم المثقفون والمفكرون والقانونيون، الذين يواصلون الضغط، بكل الطرق الممكنة، لتقديم توني بلير الى المحاكمة كمجرم حرب باعتباره رمزا لحرب استعمارية غير شرعية. وهذه المواقف المؤمنة بتحقيق العدالة، بمواجهة المؤسساتية البريطانية العنصرية المغلفة بالديمقراطية المزيفة وازدواجية المعايير، هي التي نعمل معها متطلعين لترسيخ العدالة وحق الشعب في المقاومة بانواعها. حيث تدل الدروس التاريخية المستخلصة من نضال حركات التحرير ومن بينها نضال الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، ان واحدا من مستويات المقاومة كان العمل مع الفرنسيين المؤمنين باستقلال وسيادة الجزائر ونقل أحد اشكال النضال الى الاراضي الفرنسية.
لقد حاولت قوات الشرطة البريطانية، يوم أمس، عرقلة تنظيم التظاهرة السلمية امام قاعة استجواب مجرم الحرب توني بلير. مرة بحجة ان الحشيش (العشب؟) امام القاعة هو ملك خاص ومرة بحجة حماية توني بلير بدوائر حماية مغلقة. غير ان اصرار المنظمين على ممارسة حقهم الديمقراطي في التجمع والاحتجاج، جعلهم يصرون على وضع برنامج مواز للاستجواب يتم فيه، في الفترة الصباحية، قراءة اسماء الشهداء العراقيين من قبل كتاب وفنانين وناشطين بريطانيين وعراقيين فضلا عن تسليم لجنة الاستجواب ملفا يضم اسئلة الشعب لتوني بلير. حيث قامت منظمة اوقفوا الحرب بالطلب من اعضائها والشعب عموما توجيه سؤال لكل مواطن يطرح على توني بلير في محكمة الشعب، وقد طبعت الاسئلة وسلمت الى هيئة الاستجواب، وتم توزيع نسخ منها على المتظاهرين. وقد بلغ حماس بعض المواطنين حدا جعلهم لا يكتفون بطرح سؤال واحد، اذ قام المعماري نيكولاس وود، والصحافية الأيرلندية فيليستي أربثنوت بتوجيه 27 سؤالا مدعوما بالتوثيق القانوني ومن وجهة نظر المواطن العراقي. والمعروف ان المعماري نيكولاس، الذي يقود حملة تقديم بلير للمحاكمة كمجرم حرب، يكن حبا خاصا لبغداد التي ساهم في صيانة مبانيها التراثية القديمة في الكاظمية وشارع حيفا، في الثمانينات من القرن الماضي، وكانت فيليسيتي قد لعبت دورا مشهودا في محاولات كسر الحصار على العراق والمساهمة في تقديم فيلم وثائقي عن تأثير اليورانيوم المنضب على الاطفال.
ان استجواب رئيس الوزراء السابق توني بلير، علنيا، لم يأت كعمل تطوعي من قبل الحكومة البريطانية حرصا على الديمقراطية ولكنه تحقق كخطوة صغيرة نتيجة الضغط الجماهيري المتواصل. وفي الوقت الذي نحاذر ان نبني على نتائجه آمالا كبيرة وسريعة، ندرك بان لهذه الخطوة اهميتها من ناحية تأسيس سبل العمل العراقي البريطاني المشترك المبني على المساواة وعلى الايمان بان السلام في العراق لن يتحقق ما لم يستند الى العدالة. وان تحقيق العدالة يتطلب محاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ابتلى بها شعبنا في السبع سنوات الاخيرة، وان يتم ذلك وفقا للقوانين الدولية وترافقا مع انهاء الاحتلال وتعويض شعبنا عن الخراب البشري والعمراني والاقتصادي ومع الغاء كل الاتفاقيات والقوانين المقيدة لشعبنا مع الدول الغازية تحت مختلف التسميات.