الانتخابات في العراق الجديد
الانتخابات في العراق الجديد
ماذا تعني الانتخابات في العراق اليوم؟ ولماذا الإصرار عليها؟ ولمصلحة من ستكون نتائجها؟ هذه الأسئلة وغيرها محل نقاشات وصراعات تدور قبيل السابع من شهر آذار/ مارس 2010، يوم الانتخابات في العراق. اليوم الذي انتهت إليه المواعيد بعد تأجيلات متعددة، واستعدادات متنوعة. يتحدث كثيرون عنها وكأنها حبل الخلاص أو طوق النجاة لهم ولمن بيده القرار السياسي في حكم البلاد ومصير العباد. ومن هنا فهي تعني له الكثير وفيها أو عبرها تحل العقد عنده وعند غيره ممن يشاركونه الرأي والسبيل.
الإدارة الأمريكية اعتبرتها مهمة ومصيرية بالنسبة لسياساتها المعلنة وغير المعلنة ولرؤية إداراتها حول العراق والخط التي رسمت له أولا وللمنطقة المحيطة به ولموقعه في الإستراتيجية الكاملة في هذا الجزء المهم في الخارطة الدولية وعلى المعمورة ثانيا. ودول الجوار العربي والإسلامي تنظر إليها بعيون حادة وترسل رسائلها للمشتركين فيها أو حتى المراقبين لها بوسائل متعددة، ومتنوعة ومتميزة في أكثر الأحيان، حسب القرب والبعد منها وصلاتها بها وإمكاناتها السياسية والمالية، مؤشرة في الملاحظة الأولى عنها في صيرورة المال السياسي في شراء الذمم والأصوات والتأثير عليها مسبقا ومع سبق الإصرار والعلنية المتاحة لوسائل الإعلام وتوظيفها بما يخدمها، مؤسسات وأفرادا. وهذه التدخلات مختلفة ومتناقضة في أهدافها ودلائلها، فبعضها لم ينقطع عن التدخل المباشر في فتح الطريق أمام الأوضاع الحالية وفي العمل على تغييرها بما يعاكسها أيضا، وهي حالة تكشف ان اغلب هذه التدخلات أدوات لخدمة مخططات إستراتيجية اكبر من حجمها وأوسع خطرا منها ولا تبتعد هي عن إضرارها في طبيعة المشاريع الإستراتيجية الكبرى. وتبقى الانتخابات، بكل ما تعنيه وتتطلبه، آلية من آليات الديمقراطية وشكلا أوليا لبناء نظام سياسي يعتمد عليها في رسم أفاق المرحلة وطبيعة السلطة ومكونات النظام الجديد، لاسيما بعد عقود من الدكتاتورية والعزل الاجتماعي والاضطهاد السياسي والحرمان الإداري، الذي لم يعد أمرا مخفيا. وهذه النقاط المتعددة تعمل فعلها في الطبيعة السياسية للأوضاع الجديدة في العراق وتداعياتها وانعكاساتها على دول الجوار وهرولتها لوضع مصدات لها أو تتبنى ما يصوّر لها ذلك أو تكتفي بما تسميه وسائل إعلامها بدورها في رسم المشهد السياسي في العراق الجديد. وكلها أو جلها موحية بالملاحظة الثانية من أنها تكرر ما انتقدت عليه سابقتها، قبل أربعة أعوام، من تأسيس طائفي - اثني واستمرار لقرارات وقوانين المندوب السامي الأمريكي الهارب من إدارة العراق قبل استكمال عهده، بول بريمر. وتقدمت ردا على هذه الملاحظة العامة أو تمثلت انعكاساتها داخليا فيما عرف بالهيئات والقرارات التي صحت بعد غفوة سبع سنوات مرت على البلاد، وخصت أسماء شاركت بكل ما حصل للعراق من جراء تلك السنوات، ولم تقرأ تجارب مشابهة أو قريبة في بلدان مرت كما هو العراق بشكل من الأشكال. والأسئلة كثيرة هنا، ولكن الأبرز فيها هو التخاطب الطائفي الحاد فيها والتهديد به واستعادته من جعبتها الفاشلة وبفقدان ذاكرة غريب وهي ترفع شعارات أخرى تتناقض بها مع ما حدث لها وتراجعت عنه. وقد تكشف هذه الصورة خفايا الشعارات المخادعة وهزال وعي مرجعية من يقف وراءها ويروجها وكأنه في مسرح تجاري محدود وليس في انتخابات سياسية لها وعليها ما لها وما عليها وطنيا وشعبيا ودوليا. والملاحظة الثالثة حول استمرارية الوقائع الكارثية بخطوط اعرض، تتجلى في روح التناقضات بين شعارات المشاركة السياسية في العملية السياسية الأمريكية ورفع شعارات التناقض معها والمطالبة بإنهاء الاحتلال والعملية الأمريكية ورفع شعارات وطنية عامة في محاولة "كسب قلوب وعقول" الناس ولكنها فضحت حين دخلت في تلك المواضع الواضحة والحاسمة وتنكرت بسرعة لها واستعادت لونها وطعمها، مبينة انخداعها هي أولا بما رفعته من شعارات وانطلت عليها، ومن ثم خداعها للشعب بشعارات لا تمثل تركيبتها وشخصياتها مصداقية لها. وهذه الملاحظة تعبير فعلي عن مستوى وعي رموز الحملات السياسية وأدوارهم في الانتخابات وغيرها، عاكسة خطورة المشاركة في وضع الخارطة السياسية للقوى الفاعلة في المشهد السياسي، من جهة، وقدرة المخططات المعادية من التغلغل والعمل على رسم الوقائع والبدائل والمصائر، من جهة أخرى.
والملاحظة الرابعة هي في وقائع الضغوط الداخلية التي سمتها وسائل الإعلام بالدموية، والتي راح ضحيتها العشرات والمئات من المواطنين الأبرياء، وبأشكال مختلفة، من تفجيرات عامة إلى اغتيالات جسدية بمختلف الوسائل، بكاتم الصوت أو بغيره، وهي كلها مرتبطة بالعملية السياسية نفسها وأدواتها التي أسهمت الإدارة الأمريكية بتصنيعها وتحضيرها لهذه الأوضاع، سواء قبل الانتخابات أو بعدها، وتلعب هذه الأعمال دورها الرئيس في تشويه صورة الشعب العراقي وطبيعته الحقيقية الرافضة للاحتلال وممارساته المعلومة، وخلط الأوراق بين الصورتين الواقعتين في الحاضر اليومي المعاش. صورة الاحتلال العسكري وأجهزته وممارساته وصورة المقاومة الشعبية له والعمل على التحرر منه. وتعكس ذلك اللافتات والشعارات التي رفعتها الكتل السياسية الأساسية في المشهد السياسي اليوم. ولعل ما كتب في وسائل الإعلام من قراءات متعددة يصب في محاولة منه في المخططات الإستراتيجية المطلوبة، وهي في كل الأحوال ليست في خدمة المصالح الوطنية والشعبية العراقية والمنطقة والعالم أيضا. وأية قراءة لها تقول بان الانتخابات القادمة هي استمرارية للمشهد والخارطة السياسية رغم كل ما يظهر فيها من واجهات ودعوات للتغيير أو التحول أو مجرد التبدل الشكلي لحقائق السنوات التي مرت على العراق بعد الاحتلال.