حكايات فلاحية: شمدريني!
أبو سارة*
20 / 3 / 2010
قال الشاعر الكبير محمد مهدي ألجواهري:-
بلادي وان جارت عليّ عزيـــزة وقومي وان شحّو عليّ كـــــــرام
***
وقال في قصيدة أخرى : تنويمة الجيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاع
نامي جياعَ الشَّعْـبِ نامي حَرَسَتْكِ آلِهـــــــة ُالطَّعـامِ
نامي فـإنْ لم تشبَعِـي مِنْ يَقْظـةٍ فمِـنَ المنــــامِ
نامي على زُبَدِ الوعـود يُدَافُ في عَسَل ِ الكـلامِ
***
إن كلمة أو مفردة ( شمدريني ) باللهجة العامية العراقية والتي تعني بالفصحى ( لا أدري ) ربما يختلف تعبير لفظها ومعناها باللهجات العربية الأخرى... وكما يقولون بالإنكليزية ( don’t know I ) وبالسويدية (Jag vet inte ) وهي أحيانا ( كلمة - مفردة ) غير جازمة بـ( النفي ) أي مطاطية، وأكثر من يستخدم هذه المفردة هم الأطفال فهؤلاء قليلو التجربة والخبرة وخصوصاً عندما يراد تأنيبهم أو محاسبتهم على خطأ ما ارتكبوه، كما يقال ( أن الاعتراف بالخطأ فضيلة ) ولكن عند من يا ترى!؟
في " العراق الجديد " يستخدم أغلب رجال السياسة اليوم كلمة أو مفردة ( شمدريني ) عندما يجري الحديث معهم عن الاحتلال الأمريكي وأفرازاته و حتى عن " الديمقراطية " التي جاءت بعربة الاحتلال نفسه التي تسمى بالعملية السياسة ومنها الانتخابات، بصيغتيها الأولى: عام 2005 والثانية: عام 2010
فهؤلاء الساسة جميعا ودون استثناء، يقرون بالخطأ ولكنهم لا يعترفون بإفرازاته المدمرة، محاولين التخفيف من هول جرائم الاحتلال الأمريكي باستخدام مفردة ( شمدريني ) وأن الأمور تسير بهذا الشكل، كما يحاول البعض منهم ترحيل تلك الأخطاء والخطايا إلى زمن سابق آخر ( غير زمنه ) ليثبت إنه كان على حق في سعيه ومشاركته في تنفيذ جريمة الاحتلال وما نجم عنها من الكوارث والمآسي والويلات والمصائب التي حلت بالعراق وأهله!
قبل بدء الانتخابات الأخيرة التي جرت في 7 / 3 / 2010 تحدث معي أحد الأصدقاء بحماسة عن ضرورة المشاركة في الانتخابات مع التأكيد على انتخاب قائمة ( إتحاد الشعب ) التي يرأسها الرفيق ( حميد مجيد موسى ) في الوقت الذي هو نفسه قد عبر عن موقفه بأنه على خلاف مع قيادة الحزب الحالية... ورغم هذا فأنه سيشارك في الانتخابات منوها عن غضبه من الأحزاب ( الظلامية ) المشاركة بالعملية السياسية بشقيها ( الإسلامي والعلماني )!، وبطبيعة الحال هذه وسيلة ( الأحزاب الظلامية ) استخدمتها قيادة الحزب الحالية لغاية في نفس ( يعقوب ) هي : المشاركة في الانتخابات لرغبة أمريكية وبالتالي تأييد الديمقراطية التي جلبها الاحتلال!
وبعد سبعة أيام، من أجراء الانتخابات، التقيت به ( صدفة – ثانية ) وبعد السلام سألته مباشرة ( ها شكو ماكو ) ؟ قال: نحن بانتظار نتائج التصويت، لكنه أردف قائلا ( بس لحد هسة الجماعة ما أمبينين ) ويقصد بالجماعة ( قيادة الحزب الشيوعي العراقي الحالية )!
قلت له : ما تفرق إذا بينوا أو تأخروا فإن المسألة هي كما يقال بالعامية ( يك حساب ) وإن ( الدوشيش ) حتماً ميت بأيديهم.
قال: في كل الأحوال، يمكن ( الجماعة ) ويقصد ( قيادة الحزب الحالية ) ما ( يكدرون يشكلون حكومة ) ولابد من تحالف جديد!.
قلت له: مع من تراه سيكون هذا التحالف الجديد!؟
قال: مع الأحزاب المشاركة في العملية السياسية طبعاً.
قلت له : تقصد الأحزاب التي سميتها قبل الأنتخابات بـ(الظلامية ) أليس كذلك!؟
قال: وهو يتبلعم ... ( شمدريني ) وأردف باللغة السويدية (Jag vet inte ) .
قلت له: لا تفرح ( جماعتك ) ما يطلع ألهم ولا ( جريذي – فأرة ) بس أطمئن إنهم راكبين في ( خانة - ...) وعندها شعرت أن صاحبي هو الآخر مهزوم مع جماعته...ربما أن هذا الصديق وغيره لا يدركون ولا يريدون أن يعترفوا بحجم الخسارة التي دفعها ولازال يدفعها العراقيون جميعاً دون استثناء بسبب الاحتلال الأمريكي وعملائه.
وأن آخر ( صرعه ) ابتدعتها أحزاب الاحتلال الأمريكي وخاصة الأحزاب الطائفية هي محاولة تقسيم العاصمة ( بغداد ) إلى ( رصافة - نوري المالكي ) و ( كرخ - أياد علاوي ) مثلما جرى في سبعينات القرن الماضي في لبنان عندما قسمت الميلشيات المتقاتلة العاصمة اللبنانية ( بيروت ) إلى ( بيروت الشرقية ) و( بيروت الغربية ) ولا يراودنا الشك أن مثل هذا التقسيم سيشمل لاحقاً مناطق أخرى غير بغداد من العراق.
1- ذكر موقع ( ينابيع ) بتاريخ 15 / 3 / 2010 أن " سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ( حميد مجيد موسى ) قد قال أن : احتكار السلطة تجني واعتداء على الديمقراطية والتعددية والتنوع ...وأضاف ( موسى ) قائلا أيضاً إن قانون الانتخابات وفي تعديلاته الأخيرة أعطى التوجه للكتل الكبيرة المتنفذة باحتكار السلطة وحرمان الكتل الصغيرة من الحصول على المقاعد النيابية وتوزيع المقاعد الشاغرة إلى الفائزين " معتبرا ذلك " مقصودا من اجل الاستئثار بالسلطة لفترة مقبلة أخرى".
لكننا نتساءل: من هي الكتل الصغيرة التي يتحدث عنها سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ( حميد مجيد موسى ) ولماذا يحسب نفسه من هذه الكتل الصغيرة...وأين ذهبت جماهير الحزب ولماذا!؟ وهو الذي يتبجح دائماً بأنه يمثل الجماهير الشعبية الواسعة خصوصاً العمال والفلاحين والكسبة والمثقفين...الخ!...أترك بقية التعليق للقراء الكرام.
2- وذكر موقع ( ينابيع ) أيضاً بتاريخ 16 / 3 / 2919 أن" عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي ( مفيد الجزائري ) قال :لا يمكن الحكم من النتائج الجزئية على أن قائمتنا لم تحصل على شيء وأضاف ( الجزائري ) للوكالة الوطنية العراقية للأنباء / نينا:" إننا ننتظر اكتمال النتائج الأولية وعلى ضوئها سنرى فيما إذا كانت تتطابق مع الأرقام التي لدينا أم لا "... أترك التعليق للقراء الكرام أيضاً.
3- نشر موقع ( الناس ) بتاريخ 17 / 3 / 2010 بيان احتجاج ( الحزب الشيوعي العراقي - مركز الاتصالات الإعلامية - ماتع ) تحت عنوان: " م/ إعادة فرز أصوات الناخبين بإشراف محلي وعالمي محايد... من جانب آخر فان ما أعلنته المفوضية لغاية اليوم من أصوات لقائمتنا عبر ما تم فرزه من نسب، لا تتناسب مع الأرقام الحقيقية لعدد المصوتين للقائمة. كما إنها تقل كثيرا عن الأصوات التي حصلنا عليها في الانتخابات السابقة، وهذا أمر غريب بالنظر إلى ما تتسم به طبيعة ناخبينا من ثبات نوعي ... ويقول البيان : لا بد أيضا من الإشارة إلى مهزلة انتخابات الخارج واستبعاد وإسقاط الآلاف من أصوات العراقيين بحجج واهية، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تجاوزه إلى عدم السماح لممثلي قائمتنا بدخول مركز العد الوطني، فيما يتجول فيه ليس فقط ممثلو القوائم المتنفذة، بل حتى شخصيات بارزة من قادتها، الذين يجوبون أروقة المركز بشكل أثار ويثير الشك والريبة ". التعليق هو: إن كنت تدري فهذه مصيبة وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم !
وبينما أغلب المسؤولين مشغولين بترتيب مواقعهم في الحكومة الجديدة، أكدت صحيفة ( الغارديان ) البريطانية بتاريخ 16 / 3 / 2010 أن المعلومات المتوفرة من عدة مصادر ومقابلات لمعتقلين سابقين أنه يجري في المعتقلات العراقية انتهاك كبير لحقوق الإنسان من تعذيب بالجلد والماء الحار والبارد والتعليق بالمراوح السقفية وقطع الأصابع وقلع الأظافر وكي بالسجائر والصعقات الكهربائية واغتصاب بالجملة وكذلك عقوبات تمس جوهر الدين الإسلامي بصورة مباشرة، مثل: تمزيق القرآن الكريم أمامهم والدوس عليه ( بالأقدام - الأحذية ) ومحاولة إجبار أئمة المساجد على شرب الخمر، وأكل لحم الخنزير والتعريض لمداعبات جنسية من قبل المجندات الأمريكيات."... هذا ونقلت صحيفة ( العرب ) في عددها الصادر16 / 3 / 2010 إن الجنود الأمريكيين كانوا يستخدمون أعضاء العراقيين السجناء، في سجني أبو غريب وبوكا، كقطع غيار لجنودهم الجرحى، حيث أن بعض المعتقلين تعرضوا لاقتلاع أعينهم والبعض الآخر بترت أيديهم أو أرجلهم فيما انتزعت من البعض كلاويهم". هذا هو( العراق الجديد الديمقراطي الفدرالي )!!
مربط الفرس: من المفارقات الغريبة أن سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ( أبو داود – حميد مجيد موسى ) يرى حجم الخلل في احتكار سلطة الدولة، ولا يرى الخلل في احتكار قيادته الفاشلة والمستمرة، وحجم الأضرار التي ألحقتها بتاريخ وسمعة الحزب الشيوعي العراقي، وزرع القلق والحيرة والضبابية في المواقف بين أعضاء الحزب أنفسهم، ناهيك عن أصدقائه ومؤيديه من العمال والفلاحين والمثقفين!
ويأسف القول أن هذا الرجل ومن يتبعه من قادة وكوادر الحزب الشيوعي العراقي ( شيوعيو الاحتلال ) قد أوقعوا في مستنقعهم ببعض الشخصيات الوطنية والسياسية وكذلك كوادر منظمات الحزب ثم انتهوا إلى عزلة شعبية تامة لن يفيد معها التهرب بجواب أو بكلمة ( شمدريني )! والحقيقة أن كثيرا من العراقيين قد وقعوا في مطبات سياسية كبيرة وكثيرة ومختلفة ومنهم خصوصاً أولئك الذين لازالوا يعلقون الآمال الكاذبة على الاحتلال الأمريكي وأدواته وعملائه... مثال: عندما كشفت ( قائمة إتحاد الشعب ) عن أوراقها سواء كان ذلك من خلال برنامجها الانتخابي الذي لا يرتقي إلى مستوى نضال الشيوعيين وأصدقائهم وتاريخهم الوطني المجيد ومن خلال شخصية رئيسها ( حميد مجيد موسى ) المساند والمؤيد للاحتلال الأمريكي.
نتمنى أن تعيد ( قائمة اتحاد الشعب ) حساباتها! ونقول لجميع الخاسرين ( خيرها بغيرها ) !! وكذلك دعوة من القلب للحريصين من الشيوعيين الوطنيين في ترتيب وضعهم الداخلي اليوم قبل ( الغد – بكرة )!
*كاتب ومحلل سياسي عراقي