ضابطات الارتباط العراقيات وحلم الجنرال الامريكي
*هيفاء زنكنة
هيفاء زنكنة
كان الغرض من زيارة نائب الرئيس الأمريكي المكلف بالملف العراقي جوزف بايدن العراق، يوم الرابع من تموز/ يوليو الحالي ، هو الضغط على تشكيل 'حكومة عراقية' ترضى عليها الادارة الامريكية.
والهدف الأمريكي هذه الأيام في محنتها العالمية المستعصية هو تحقيق نوع من الاستقرار النسبي للتمكن من مواصلة سحب بعض القوات العسكرية الى افغانستان، وتوفير الاجواء لحكم غير مباشر يفتح الابواب بشكل اوسع للهيمنة الاقتصادية وعلى مصدر الطاقة بالتحديد.
كما حاول بايدن، ايضا، مواجهة مخاوف ساسة الاحتلال العراقيين وطمأنة مخاوفهم، مؤكدا 'الالتزام الأمريكي الطويل الامد في العراق'. غير ان طمأنة الخائف بالكلام، من الناحية النفسية، ليست عملية سهلة.
لذلك استمر الساسة العراقيون باطلاق التصريحات المتضاربة وتبادل الاتهامات حول من الذي تدعمه امريكا، وهل هو اياد علاوي، رئيس قائمة العراقية، او نوري المالكي، رئيس قائمة دولة القانون.
وجاءت معظم التعليقات لتؤكد أن الساسة مرعوبون من الانسحاب حتى مع ادراكهم بانه انسحاب جزئي مع بقاء القواعد العسكرية والسفارة الامريكية والمرتزقة ووصول قوات الشرطة والجيش العراقي الى ثلاثة ارباع المليون.
بل وصل الحد بوزير الصناعة فوزي الحريري بتنبيه امريكا الى ما قد يلحق مصالحها من ضرر اذا ما اهتمت بالعراق عن مبعدة، اذ صرح قائلا: 'انها سياسة تدل على الضعف وتعتبر أيضا بمثابة فشل... كما انها تعطي رسالة خاطئة لسورية وايران، وانها سوف تعطي رسالة خاطئة لطالبان'.
ولم يقتصر التخوف على الساسة الذين ارتبط بقاؤهم بوجود قوات الاحتلال، والمقاولين الذين إعتاشوا على فتات الشركات الأمريكية التي إستنفدت الـ 52 مليار دولار التي خصصها الاحتلال حتى الآن لإعادة الإعمار ولم يعد هناك أية تخصيصات أخرى.
بل امتد التخوف الى منظمات المجتمع المدني المدعومة بشكل مباشر من قبل القوات، خاصة بعد اعلانها بانها ستقوم بتحويل 1200 مشروع او مبادرة مدعومة من قبلها اما الى السفارة الامريكية او تلغيها.
وتتراوح طبيعة المبادرات ما بين 'المصالحة' و'تمكين المرأة' مرورا بورشات 'الديمقراطية'. وهي مبادرات تتزامن عادة مع العملية السياسية للاحتلال فضلا عن كونها قد استحدثت اساسا لتطبيق استراتيجية 'مكافحة التمرد'، التي يعتبر الجنرال ديفيد بترايوس، القائد السابق للقوات الامريكية في العراق، الاب الروحي لها.
وقد ابدى الجنرال في كتابه الميداني عن 'مكافحة التمرد' اهتماما كبيرا بدور المرأة، متبعا بذلك نصيحة مستشاره دافيد كيلكولان، الخبير العالمي ومستشار الحكومة الامريكية والكندية في مكافحة التمرد.
يقول كيلكولان في المادة 19 من دراسته المكونة من 23 مادة حول مكافحة التمرد وبخصوص المرأة في العراق وافغانستان: 'إشرك المرأة. ان معظم المقاتلين المتمردين هم رجال. ولكن النساء في المجتمعات التقليدية، يؤثرن بشكل كبير في تشكيل الشبكات الاجتماعية التي يستخدمها المتمردون للحصول على الدعم.
ان العمل على جذب المرأة المحايدة أو الصديقة، من خلال برامج اجتماعية واقتصادية موجهة، يبني شبكات المصلحة الذاتية المستنيرة التي تقوض في نهاية المطاف المتمردين.
لذلك انت بحاجة الى الإناث العاملات ضمن 'مكافحة التمرد'، للقيام بذلك على نحو فعال. احصل على دعم المرأة فتفوز بدعم العائلة كلها. أملك العائلة، حينئذ تخطو خطوة كبيرة إلى الأمام في تعبئة السكان'.
وقد ادى تبني القوات العسكرية الامريكية لهذا الموقف الى استحداث مبادرات ومشاريع خاصة بالمرأة العراقية، فضلا عن المشاريع العامة الموجهة للجميع ذكورا واناثا، ومن خلال تشكيل وحدات ارتباط نسوية ضمن المنظومة العسكرية الامريكية من جهة ومن بين 'نسوة عراقيات صديقات' او 'محايدات' تم كسبهن من جهة اخرى.
فمن ناحية الجيش الامريكي، تم تشكيل، مثلا وحدة 'الاناث لتفعيل العمل' في مشاة البحرية (المارينز)، وهو مصطلح عسكري يتم استخدامه، حاليا، كبديل لمصطلح 'ضابطات الارتباط'، ليوحي بالتفاعل والمشاركة وليس مجرد الارتباط بين قوات الاحتلال والمرأة العراقية.
وهو مصاغ على غرار تسمية العراق بأنه 'بلد مضيف' للقوات الامريكية وليس بلدا محتلا، واطلاق تسمية 'شركاء في العراق' بدلا من قوات الاحتلال.
من ناحية تفعيل تعاون المرأة العراقية مع قوات الاحتلال، تم استحداث 'مبادرة دعم المرأة العراقية' التي اطلقها فيلق مهندسي قوات الاحتلال ويرتبط معظمها بالقواعد العسكرية. ومنسقة البرنامج هي عزة خليل حمادي، التي تخشى هي الاخرى، مثل الساسة، من تأثير رحيل قوات الاحتلال.
اذ صرحت في مؤتمر عنوانه (مستقبل الشركات التابعة للنساء) 'إن العنوان يعني أننا انتهينا من حقبة وندخل الآن في حقبةٍ جديدة'، مؤكّدة أن 'انسحاب القوات الأمريكية من العراق سيؤثّر بالتأكيد على برنامجها'. تعمل عزة حمادي كموظفة في شركة 'ستانلي بيكر هل' الأمريكية (مقرها ولاية أيوا).
وقد وقعت الشركة عقداً قيمته 1.2 مليار دولار مع وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) للعمل في العراق كشركة استشارية في مجال الإعمار، وكنت قد كتبت مرة عن نشاط بعض 'سيدات الاعمال' العراقيات وتدريبهن في مؤتمرات ومحترفات تنظمها السيدة عزة حمادي، منذ عام 2005، مع آخرين من بينهم شركات خاصة.
للحصول على عقود عمل، معظمها لتوفير الخدمات، لجيش الاحتلال الامريكي. وأجد، هنا، ان اللقب الصحيح الذي يجب استخدامه هو 'ضابطات الارتباط'.
وهي شريحة من النسوة اللواتي ترتبط مصالحهن الاقتصادية والنفعية بوجود المحتل من خلال قيامهن بالتنسيق، بدرجات مختلفة، ما بين القوات العسكرية الامريكية وبعض النساء المختارات اما لكونهن 'صديقات' او 'محايدات'، تحت شعارات 'تمكين المرأة' و 'مشاركة المرأة في بناء الاقتصاد'.
وقد بلغت قيمة العقود المقدمة لـ'سيدات الاعمال' 180 مليون دولار بمجموع عقود بلغت اكثر من الفي عقد حتى حزيران / يونيو 2008 (فازت احدى السيدات بـ 69 عقدا لوحدها).
وغالبا ما يعلن عن منح العقود او افتتاح المشاريع سواء في القواعد العسكرية الامريكية نفسها او على مقربة منها وبحضور مسؤولات في حكومة الاحتلال، بدون اعلان اسماء 'سيدات الاعمال'.
وذلك حماية لهن من الاستهداف باعتبارهن يقمن بتنفيذ عقود في خدمة جيش الاحتلال كما في برنامج 'آي بيز' (وهو مختصر لاسم المنطقة الصناعية لعموم العراق)، الذي يوفر العقود والمكان لتنفيذ مشاريع توفر الخدمات للجيش الامريكي.
وهو الوضع الذي يماثل استخدام الكيان الصهيوني للعمال الفلسطينيين لبناء المستوطنات التي تنطلق منها آلة القتل الاسرائيلية.
ومن بين الذين تفضل القوات الامريكية منح العقود لهم، فضلا عن النساء، رجال الصحوة او ابناء العراق تعويضا لهم عن عدم توظيفهم في الحكومة او انخراطهم في قوات الجيش والشرطة.
ومن أكبر المشاريع التي تم افتتاحها في تشرين الثاني/ نوفمبر 2008 كنموذج لهذا النمط من التعاون ضمن محيط قاعدة النصر، هو 'مركز آرام العراقي للاعلام والطباعة' .
وصاحبة المشروع التي لا يذكر اسمها حفاظا على سلامتها، حسب موقع 'عملية تحرير العراق' للجيش الامريكي، هي 'سيدة أعمال عراقية تعمل مع قوات التحالف منذ عام 2004. ساهمت بمبلغ مليون ونصف المليون من مالها الخاص للمساهمة في المشروع.
وتنتج الشركة مستلزمات وسائل الاعلام لقوات التحالف، مثل الصحف واللوحات الإعلانية والاعلانات والمواد التلفزيونية والإذاعية. كما تقوم ايضا باجراء الاستفتاءات ومهام جمع الأخبار لصالح قوات التحالف'.
ويضم المركز جهازا طباعيا حديثا قادرا على طبع 50 ألف نسخة من الصحف في الساعة ويمكن طباعة صحيفتين مختلفتين في نفس الوقت.
وقد تم افتتاح المركز من قبل نوال السامرائي (الحزب الاسلامي)، وزيرة الدولة لشؤون المرأة، فضلا عن عدد من البرلمانيات وعزة حمادي وقادة عسكريين من قوات الاحتلال تسابقوا في الثناء على 'سيدة الاعمال العراقية'.
تقول العميدة كاثلين دوسولت: 'لقد قامت بعمل رائع . لقد حصلت على عدة عقود منا في السابق ونتطلع شوقا الى العمل معها اكثر في المستقبل'. أما الجنرال نيكولاس ماتيرن، آمر قوات التحالف والبنية التحتية، فقد قال: 'بالنسبة لي هذا هو العراق الجديد'.
وقد يكون من المفيد، هنا، تنبيه 'سيدات الاعمال' الى متابعة أخبار 'شبكة التجسس' الروسية التي اعتقل افرادها في امريكا، اخيرا، لفهم معنى الوطنية الامريكية (ولا اقول العراقية لئلا اتهم بالتخلف) والخيانة وما يشكل خرقا للامن القومي.
ان استراتيجية استقطاب 'المرأة المحايدة' او 'الصديقة' عبر مبادرات يصممها الجيش الامريكي هي جزء من الوجه الجديد للاحتلال ومسار تطبيق الاتفاقية الامنية واتفاقية الاطار الاستراتيجي لتنظيم العلاقات الثقافية والمجتمعية والاقتصادية.
ان هيمنة المستعمر، الاقتصادية والثقافية والمجتمعية، تبدأ بواسطة العنف وتخريب البلد وحرمانه من سيادته وموارده وتنتهي بتحويل نسائه ورجاله الى خدم ومستخدمين مأجورين سواء في القواعد العسكرية او خارجها لغرض توفيرالخدمات والبضائع له ولمتعاقديه، مقابل توفير الفتات لهم مغلفا بالتضليل والرطانة عن بناء الاقتصاد.
وهو ما يقدمه العميد غريغوري كاوتج، قائد آمرية 316 مشاة، عندما يصف حصول بعض العراقيين على عقود خدمات المحتل بانه سيساعد على 'تحقيق ما كان الجنرال بترايوس يحلم به عندما أتى الى العراق.
وهو حصول ابناء الشعب العراقي على فرصة للعمل في بلادهم لكي يتمكنوا من إعالة أسرهم الخاصة'. هذا هو حلم الجنرال بترايوس، لكن للعراقيين أحلامهم، على أرضهم.
*كاتبة من العراق
جريدة القدس العربي
7/10/2010