رمضان كريم وحيد
كاظم فنجان الحمامي
ارتفعت درجات الحرارة في البصرة الواقعة على خط الاكتواء, في اليوم الأول من رمضان, حتى بلغت 54 درجة مئوية في الظل بمقياس الحمم الشمسية المتوهجة في آب اللهّاب, فسجلت رقما قياسيا في سجلات الجحيم والأفران الكونية, لم يُسجل من قبل. رمضان كريم في عموم البلاد الإسلامية, لكنه أقترن في البصرة المتكدرة هذا العام باسم وزير الكهرباء السابق (كريم وحيد), الرجل الذي تخلى عن وعوده كلها, واختار الرحيل عن وزارته بعد تفجر الأحداث في البصرة, وبعد غليانها في الانتفاضة الكهربائية, التي اجتاحت مدن الجنوب, ثم تكهربت الأوضاع بعد رحيله, وازدادت سوءا تحت وطأة التفجيرات الإرهابية في شارع الأطباء وسط المدينة, والتفجيرات التي وقعت خلف الإعدادية المركزية في العشّار, وأغلب الظن انه يردد الآن في منتجعه المريح قول الشاعر:
سيذكرني قومي إذا جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
كان وزير الكهرباء كريما معنا في وعوده المتكررة, وهو الوحيد الذي نصغي إليه عندما يطل علينا من شاشات الفضائيات, وننصت له بشغف عميق عندما يبث في نفوسنا الأمل, ويزف إلينا البشائر المستفبلية الحالمة بالكهرباء, كان يطلق الوعود تلو الوعود, رغم استمرار الأحوال المتردية على ما هي عليه, حر لاهب, وانقطاعات مستمرة في التيار الكهربائي, فضلا عن هبوب ذاريات العواصف الترابية, وحمامات الرياح الجنوبية الشرقية المشبعة بالرطوبة الخانقة, وكان على وشك أن يتحوّل من مرحلة الوعود إلى مرحلة التنفيذ, لو منحناه المزيد من الوقت, وضحينا بأربعة أعوام أخرى من أعمارنا الضائعة. صرفنا على مشاريع الطاقة الكهربائية حوالي 27 مليارا أمريكيا حتى الآن بشهادة وزير المالية في حديثه الصريح مع قناة (الحرة عراق), أي ما يعادل أربعة أضعاف ميزانية البحرين (ميزانيتها 5.5 مليار دولار), وأكثر من نصف ميزانية الكويت بكثير (ميزانيتها 42.18 مليار دولار), وأكثر من نصف ميزانية الإمارات (ميزانيتها 43.6 مليار درهم). أموال هائلة تكفي لشراء أصول شركة (جنرال ألكترك) بكل فروعها وخطوطها الإنتاجية, وتغطي تكاليف نقلها إلى بادية السماوة, أو إلى هور العمارة, لكي تباشر من هناك بإنشاء محطات جديدة للطاقة من فئة خمس نجوم, تُشيد في كل مدينة عراقية, أما المتبقي من المبلغ فيكفي لشراء شركة (سيمنز الكترونك) مع شركة (ميتسوبيشي باور), ويكفي المبلغ كله لشراء شقق تمليك مؤثثة في ربوع (الريفيرا), أو على ضفاف (لاس بالماس), أو جزر (سيشل), أو جزيرة (موريشوس) لكل عائلة عراقية وحسب رغبتها, بحيث يصبح من المتيسر علينا الانتقال إلى بيوتنا البديلة في فصل الصيف, وقد ننوي الإقامة فيها لصوم شهر رمضان في الأجواء الباردة, والأماكن المنعشة, التي لا تنقطع فيها الكهرباء, ولا نسمع فيها قرقعة المولدات, ولا فرقعة العبوات اللاصقة, والأحزمة الناسفة, والقنابل الموقوتة, ولا دوي صفارات المواكب الاستفزازية.
لقد حقق البصريون أرقاما قياسية في استيراد وشراء مولدات الطاقة الكهربائية, وصاروا من أكثر شعوب الأرض تحدثا بلغة الفولتات والأمبيرات, وأكثرهم استخداما للأسلاك والقابلوات والمحولات وجلكانات الوقود, ليس للهدوء مكانا في البصرة, حيث ضجيج المولدات المتعبة يهز أركان جبل سنام, ويقتلع أشجار النخيل من جذورها, وحيث يستحوذ اسم (كريم وحيد) على أحاديث موائد الإفطار وجلسات السمر (القهر) في الظلام الدامس, وربما يترك بصماته على ليالي تموز (يوليو) رمضان المقبل. ورمضان كريم. أعاده الله علينا وعليكم بأنوار الخير, ومصابيح السلام والمحبة, وأقمار اليمن والبركات. |