لون بشرة الرئيس الامريكي ومستقبل قوات الاحتلال في العراق
08/11/2008
هل سيؤدي انتخاب الديمقراطي باراك اوباما رئيسا للولايات المتحدة الامريكية الى تغيير ايجابي نحو العراق وفلسطين وشعوب الدول العربية والاسلامية عموما، خاصة وان شعار الانتخابات كان يدعو الى التغيير؟
بالنسبة الى الشعوب الاسلامية، سيكون هناك تغيير، خاصة بالنسبة الى افغانستان وباكستان، وباعتبار البلدين ساحة لما تسميه امريكا الحرب على الارهاب. وهذا التغيير يهدف الى زيادة حجم القوات الامريكية على الارض وتعاظم القصف الجوي المسبب غالبا للمزيد من الضحايا المدنيين، مع تقليل خسائر الجيش الامريكي البشرية عبرالهيمنة عن بعد. والرئيس الجديد واضح في موقفه من ناحية استمرار حرب امريكا (على الارهاب) وهي حرب تجمع في مرونتها وتطبيقها ما بين المتغيرات السياسية وامكانية تفصيلها حسب الطلب. وهذا العنوان نفسه قد يتغير قليلا أو كثيرا، ضمن البعد الاستراتيجي للسياسة الخارجية الامريكية الثابتة، عموما، على الرغم من تغير الرؤساء واحزابهم والوانهم، لانها سياسة تستند الى الدفاع عن الامن القومي والمصالح الاستراتيجية.
وتنطبق ابعاد سياسة (الحرب على الارهاب) على فلسطين والعراق سوية أيضا مع اختلافات بسيطة. فقد لاحظنا ان تصريحات اوباما عن فلسطين قد تغيرت تدريجيا حتى بات أمن اسرائيل، في العد التنازلي لفترة الانتخابات، أولوية توجب عليه التأكيد عليها لئلا يخدش بعدا استراتيجيا للسياسة الخارجية الامريكية المرتبطة بقوة اللوبي الصهيوني الامريكي. وكان أول موظف نافذ عينه باراك هو السناتور الأمريكي الإسرائيلي راهم ايمانويل كرئيس لموظفي البيت الأبيض. باراك اوباما لن يقطع حبل السرة الرابط ما بين امريكا الأم ولقيطتها الصهيونية، مما يعني ان مجال التغيير سيبقى ملتصقا بما يطلق عليه تسويقا مبادرات السلام، بينما تغذي امريكا الكيان الصهيوني بملايين الدولارات اسبوعيا وتصدر الفيتو اثر الفيتو في مجلس الامن منعا لاصدار أي قرار يدافع عن الشعب الفلسطيني، بينما يقف العالم متفرجا على جريمة محاصرة وابادة الشعب وحرمان ابنائه من حق العودة الى وطنهم.
ماذا عن العراق المحتل؟ هناك جملة تفوه بها اوباما في شهور حملته الانتخابية الاولى، بان القوات الامريكية ستنسحب خلال 16 شهرا من توليه الرئاسة. وهو تصريح مفرح اذا ما تمكن الرئيس الامريكي من تنفيذه، ونحن جميعا مع التغيير وان كان معنى التغيير بالنسبة الينا لا ينصب على تغيير بشرة الرئيس من الابيض الى الاسود. وأكاد اقول باننا، لفرط ما عانينا من المآسي جراء سياسة الاحتلال، لن نبالي، ومعنا الكثير من شعوب العالم، اذا ما حكم امريكا رئيس أزرق أو أصفر. المهم هو تغيير السياسة الخارجية التي تستخدم مفاهيم الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان كايديولوجيا ترمى بشكل اسلحة دمار شامل على الشعوب.
ولكن هل بامكان امريكا برئاسة اوباما ان تتغير فعلا، ولا اعني بالتغيير تنامي حركات السلام ومناهضة الحرب والنخبة من المثقفين، ولكنني اعني تغير مواقف الطبقة الحاكمة من النخبة الاقتصادية وممثلي الشركات والمؤسسات الاحتكارية عبر الدول ؟
لقد تشكلت النخبة الحاكمة في نظام امريكا الراسمالي عبر قرون من الاستغلال الاقتصادي وترسيخ شروط الهيمنة الراسمالية الاحتكارية. وتشكلت شخصية الفرد الامريكي من تجميع المهاجرين من جميع انحاء العالم وبناء المستوطنات في القارة المكتشفة بعد ابادة معظم ابناء الشعب الاصلي من الهنود الحمر مع ابقاء عينة منهم، على قيد الحياة، في معسكرات خاصة لاغراض الشكلية القانونية وللسياحة في ما بعد.
واعتمد أساس تكوين الشخصية الامريكية المتنفذة، منذ البداية، على الشراهة والطمع في تحقيق الربح السريع أيا كان مصدره وايا كان ثمنه، وعلى التمييز العنصري والطبقي والكيل بمكيالين في ما يخص حرية الشعوب وعدم استغلالها اقتصاديا. واستمرالتمييز العنصري حتى الستينات من القرن الماضي عندما نال الامريكيون السود حقوقهم المدنية وبعد مائة عام من التخلص من العبودية التي افترض ان الحرب الأهلية قد حققته في أواسط القرن التاسع عشر. غير ان تشريع قوانين الحقوق المدنية لم يترجم على ارض الواقع اذ بقيت العنصرية المبطنة والمكشوفة ضد السود لغة الحياة اليومية وخاصة في ما يتعلق باحتلال المناصب السيادية ومراكز صنع القرار. لذلك وصف الكثيرون فوز اوباما بالرئاسة بانه حدث تاريخي وتجاهلوا في الوقت نفسه تحليل اسباب انتظار امريكا الدستورية الديمقراطية الفخورة بتراث الآسلاف المؤسسين في الحرية ونشر تعاليم حقوق الانسان، امة المهاجرين من جميع انحاء العالم، التي كان يجب ان تكون قدوة للجميع في المساواة الانسانية، ان تنتظر مئات السنين لتسمح باختيار رئيس بشرته سمراء ؟ واذا كان هذا هو معدل التغيير الذي تتطلع اليه امريكا وتعتبره حدثا تاريخيا ألا يحق لنا التساؤل عن وعود التغيير بالنسبة الينا وفترة تحقيقها وصدقها؟
ان التغيير الايجابي لما فيه مصلحة الشعب العراقي من انهاء للاحتلال بقواعده وكافة اشكاله ودفع للتعويضات لما اصابه من خراب لن يحدث لمجرد ان امريكا تجاوزت عنصريتها التاريخية وانتخبت رئيسا اسود، مهما كانت تصريحاته الاولية مشجعة. فالسياسة الاستراتيجية الامريكية واحدة مهما كان لون بشرة الرئيس أو جنسه ولنا في كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية السوداء الحالية، وكولن باول وزير الخارجية الاسود السابق ومادلين اولبرايت وزيرة الخارجية البيضاء السابقة له عبرة. حيث تشابه تصرف كل واحد منهم اثناء تبوئه المنصب الى حد التطابق في ما يخص ابادة الشعب العراقي وتخريب العراق والعمل على الاستحواذ الكلي على مصادر الطاقة. وسيكون سلوك وزير الخارجية المقبل الذي سيعينه الرئيس اوباما هو ذاته بالتعاون مع البنتاغون آخذين بنظر الاعتبار ان معظم الشخصيات التي تبوأت المناصب المهمة في حكومة بوش وستتبوأها في حكومة اوباما لا بد وان تكون من المتنفذة، بشكل او بآخر، في الشركات الاحتكارية عبر الدول. وسيتركز الاهتمام كما هو الحال الآن على مصادر الطاقة وبيع السلاح. ويقتضي بيع السلاح بانواعه وتحريك الجيش النظامي وتوظيف جيوش المرتزقة اشعال الحروب الاهلية والتمردات والحروب بين الدول. ان امريكا المالكة لاقوى ترسانة عسكرية في العالم والمنتجة لاحدث الاسلحة والمعدات بحاجة ماسة الى الحروب لاستهلاك السلاح، والى حملات الترويع والارهاب لإجبار الحكومات الضعيفة على الشراء متوهمة الدفاع عن نفسها. ولكي يتم ذلك تحتاج امريكا النفط والغاز. وبفضل حكومة الاحتلال، تحصل امريكا على نفطنا مجانا تقريبا لتقتل اطفالنا وتخرب بيوتنا.
ان الرئيس الامريكي الجديد لن يقدم جديدا للعراق، ولا اقول هذا لأننا ضد التغيير او لاحباط الآمال واثارة اليأس في النفوس ونحن بامس الحاجة الى التشبث بالامل. غير انه بدأ في الشهور الاخيرة من حملته الانتخابية بالتراجع عما اعلنه بدءا. فالقدس هي عاصمة اسرائيل التي لا تقبل القسمة، حسب تعبيره. ويبدو ان اقصى ما سيقدمه بالنسبة الى العراق سيكون ضمن توقيع الاتفاقية العسكرية طويلة الامد المتضمنة ابقاء القواعد العسكرية وامتيازاتها، فضلا عن الاتفاقية الامنية والاقتصادية والثقافية وكلها حافل بالغام الالفاظ ذات المعاني الخاضعة للتفسير والتأويل كل وفق مصالحه الآنية او الاستراتيجية .
وقد تراجع اوباما، اخيرا، في مقابلة مع قناة 'فوكس' اليمينية للاخبار، عن معارضته لسياسة الجنرال بترايوس في زيادة القوات العسكرية في العراق، واصفا اياها بانها حققت نجاحا كبيرا وهو موقف يتناقض مع اعلانه عن سحب القوات. بينما بات وضع القوات العسكرية متأرجحا في التلاعب اللغوي ما بين وجود وسحب وتقليص عدد القوات، بينما تتأهب ما تدعى بالحكومة العراقية للتوقيع على الاتفاقية العسكرية طويلة الأمد لشرعنة الاحتلال، مما يؤكد من جديد بأن معنى التغيير في السياسة الامريكية تجاه العراق لتحقيق العدالة والسلام يعني بالنسبة الينا انهاء الاحتلال، بكافة اشكاله ودفع التعويضات عن الجرائم والخراب الذي سببه الاحتلال مع وجود حكومة عراقية وطنية مستقلة تدين بالولاء للشعب العراقي وتحترم القيم الانسانية. وبدون ذلك فلا خيار لدينا الا استمرار المقاومة والتحالف مع بقية أخيار العالم لاستعادة الكرامة والعدل.