ستوب مستر بايدن نقطة نظام!
صباح علي الشاهر
في إتصال هاتفي مع رئيس مجلس النواب العراقي أعرب نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن عن عدم رضاه عن قرارات هيئة المساءلة والعدالة الأخيرة، القاضية باستبعاد ما يناهز الخمسمائة مرشح من الإنتخابات المقبلة، والغريب أن السيد النائب طالب بأن يتقدم المرشحون بتعهدات بالبراءة من حزب البعث وإدانة جرائمه السابقة كافة، كما طالب بأن تجري عملية الإجتثاث بعد الإنتخابات العامة لا قبلها، أي أن النواب يجتثون بعد أن يُنتخبون ، وتلكم لعمري مهزلة المهازل!
أما السفير الأمريكي كريستوفر هيل فقد بين أن بلاده ستقف بقوّة ضد قرارات هيئة المساءلة والعدالة ، وستعمل على إلغاء قراراتها أو تجميدها إلى ما بعد الإنتخابات ،
ومن جهته، وبإعتباره ممثلاً للمجتثين ، فقد قال السيد المطلق للسفير الأمريكي ( أن الكرة في مرماكم أيها السادة وأنتم وحدكم القادرون على إنقاذنا وإنقاذ بقية المرشحين الذين شملهم قرار الإجتاث من هذا المأزق ) .
من أي زاوية يمكن للمتابع رؤية هذه اللوحة السريالية ؟
الأمريكان، الذين هم سبب البلاء كله، باتوا وحدهم القادرون والمدعون لإنقاذ المطلق ورهطه !
هيئة إجتثاث البعث، وبعدها هيئة المساءلة والعدالة، هيئتان دستوريتان في شرع وقوانين الإحتلال وحكومته، وهما تستندان إلى المادة السابعة من الدستور سيء الصيت القاضية بتجريم من يروج لحزب البعث المنحل، ومن يعمل على إعادته إلى الحياة السياسية في العراق، والمطلق ورهطه هم من أسهم في صياغة الدستور وإقراره، وهم من أضعف حجة المعادين للإحتلال والعملية السياسية بكون حكومة الإحتلال، حكومة العملاء والطائفيين، وإنها لا تمثل أطياف الشعب العراقي ، بعد أن أدعى وزعم المطلق ورهطه أنهم يمثلون السنة، وبالتالي فأن المقاومة الوطنية التي كان جسمها الأعظم في المناطق الغربية، وعمودها الفقري الجيش العراقي، لم يعد بإمكانها ليس فقط الزعم بتمثيل العراق كله، وإنما حتى الزعم بتمثيل العرب العراقيين الوطنيين ولا حتى أبناء المنطقة الغربية ، لقد شكل موقف الزاحفين صوب مغانم العملية السياسية إحراجاً ما بعده إحراج للقوى المعادية للإحتلال وعمليته السياسية .
كان المقاومون يقدمون ضريبة الدم، في حين كان المطلق ورهطه ينعمون بإمتيازات الإحتلال . منذ ساعات الإحتلال الأولى تقدم هذا الرهط الإنتهازي لإغتنام الفرص التي باتت سانحه، إنخرطوا في مجلس الحكم . مرروا كل القوانين والإجراءات التي أرادت تغيير وجه العراق وجوهره. كانوا يقولون شيئاً ويفعلون شيئاً آخر، يعلنون عن العداء للإحتلال ويتوسلون بالمحتل من أجل إعطائهم هذا المكسب أو ذاك، هذا الإمتياز أو ذك، أو الإستقواء به على هذا الطرف أو ذاك ، ثم أسهموا بفاعلية في إيجاد ركائز إسناد في المناطق الساخنة تدعم حكومات المنطقة الخضراء، وتتعاون على المكشوف مع جنود الإحتلال في مطاردة وتعقيب المقاومة ، بحجة مطاردة القاعدة والإرهاب .
هل يراد منا الآن تتويج هؤلاء أبطالاً ؟ وهل هم فعلاً كذلك؟ هل يوجد أبطال للتحرير في إطار أولئك الذي إمتهنوا التعاطي مع المحتل ، والإحتماء والإستقواء به؟
ماذا يستفيد الشعب العراقي أن أعيد إنتخاب المطلق نائباً في البرلمان أم أستبعد منه؟ ألم يكن نائباً طيلة أربع سنوات ، وعضوا في مجلس الحكم ، فماذا فعل؟
ماذ يفيد الشعب أن يأتي علاوي رئيساً للوزراء ؟ ألم يكن هذا الشخص الذي هو عراب الإحتلال أول رئيس في أول وزارة أحتلال ، فماذ فعل؟ ألم تدمر في عهده الفلوجة مدينة المنائر ؟ ألم تقصف النجف؟ هل ننسى النهب والفساد في ظل حكومته وتلك الملايين المنهوبة التي لم تسترد بعد ؟
هل تم إختزال العراق إلى سلطة في الجيب الأمريكي الأيمن، ومعارضة في الجيب الأمريكي الأيسر ؟
يا مستر بايدن الا تعرف من خط دستور الإحتلال، وشرعن الإجتثاث؟ أليس فريدمانكم هو من أدخل العراق في نفق التجزئة والإحتراب، والتقاسم الطائفي والعرقي، وعزل العراق عن محيطة العربي؟ ألم تجتثوا الوطنية العراقية، وهي أكبر وأهم من البعث، ومن أي حزب آخر؟ ألستم أول من إجتث المعارضين في معتقل بوكا وأقبية سجن أبو غريب ؟ ألستم أنتم وشركات حمايتكم من درب الجيش والشرطة العراقية على أساليب إنتزاع كرامة الإنسان ، وسحقه وإذلاله؟
ألستم أنتم من شيطن العراق ، شعباً وقيادة ؟ هل نعيدكم إلى التسعينات من القرن الماضي لتروا بأعينكم كيف جندتم كل وسائلكم حتى لعب الأطفال، لجعل العراق أرضاً وشعباً مشروعاً للإجتثاث، لقد أخليتم حتى المكتبات من أي كتاب يشير إلى العراق أو حضارة العراق ، حتى بغداد ألف ليلة وليلة أسميتموها ( عقربة) . ألم يتسبب إحتلالكم في إجتثاث خُمس الشعب العراقي وتشريده في أنحاء المعمورة؟
أنتم، وأنتم وحدكم من جلب لنا فكرة الإجتثاث. لقد زرعتموها في أرضنا نبتأً هجيناً ، هي نتاجكم ، ونتاج ثقافتكم .
منذ ثمانين سنة وأنتم تجتثون النازية، لا في ألمانيا فقط بل في كل أوربا وأمريكا، رغم أنه وبعد إنقضاء كل هذه السنين لم يعد ثمة وجود لأي نازي على وجه الأرض، لكنكم تتمسكون بإجثاث النازية ، وأي مواطن تحوم حوله أدنى شبهه بالولاء للفكر النازي يجتث حالاً ، لا من عضوية البرلمان ، وإنما من أي نشاط سياسي أو إجتماعي ، ونفس الشيء يقال بالنسبة لمن لديه ميول فاشية في إيطاليا.
وفي دولتك العظمى، وعلى عهد ترومان قمتم بأكبر عملية إجتثاث للفكر اليساري ، حيث أخضعتم أعظم كتابكم كجون شتاينبك، وآرثلر ميلر، ومئات الكتاب والعلماء والمفكرين والفنانين ، لعملية إجتثاث للرأي والموقف ، وكانت أبشع عملية تدجين وإخصاء للفكر في القرن العشرين.
وأخيراً وليس آخراً، فقوانينكم الديمقراطية ومحاكمكم تتابع كل صاحب رأي يتعارض رأيه مع الصهيونية أو الموقف من إسرائيل ، بزعم العداء للسامية ، فمن يشك بأنه يحمل عداءاً للسامية يُجتث من موقعه صحافياً كان أم إستاذاً ، أم نائباً . يُحاصر ويُحارب ويُحكم عليه ، فإما أن يتبرء من العداء للسامية ، مثلما تريد للمجتثين التبروء من البعث ، وأما ينهى دوره وفاعليته ، هل أنت بحاجة لأذكرك بغارودي مثلاً .
يا مستر بايدن أنت محتل وتستطيع أن تفعل ما تشاء ، ولكن لا تتقمص شخصية الحكيم والغيور على مصالحنا.