البذرات الأولى لنهضة المرأة العراقية
أحمد الناجي
md-alwadi@hotmail.com
الحوار المتمدن - العدد: 1131 - 2005 / 3 / 8
المحور: ملف - بمناسبة 8 مارس/ اذار 2005 يوم المرأة العالمي
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع
أطلق الشاعر جميل صدقي الزهاوي، في عام 1910، أولى الأفكار المناصرة لتحرير المرأة بعدما نشر مقالاً في مجلة (المؤيد) المصرية بعنوان المرأة والدفاع عنها، وأعاد نشر المقال في مجلة تصدر في بغداد آنذاك باسم (تنوير الأفكار)، مما أثارت حفيظة الكثير من المحافطين والمتزمتين، وأدت الى هياج في بغداد، وخروج مظاهرة تطالب بإنزال العقوبة الرادعة على الكاتب، مقترنة بذهاب احد رجال الدين الى والي بغداد ناظم باشا، فأصدر الوالي أمره بعزل الزهاوي من وظيفة التدريس التي كان يشغلها في مدرسة الحقوق، واضطر الى الاعتزال في بيته فترة من الزمن، وقيل أيضاً، هوجم داره وتعرضت حياته للخطر.
وبعد 14 سنة من حادثة الزهاوي، أثيرت ضجة حول موضوعة السفور والحجاب عند وصول الأمير غازي بن الملك فيصل الى بغداد في 5 تشرين الثاني 1924، قادماً من الأردن، حيث جرى له استقبالاً كبيراً، وارتسمت دهشة في وجوه الناس حينما وجدوا من جملة المستقبلين فرقة كشافة مؤلفة من فتيات سافرات، طالبات مدرسة البارودية للبنات، ولم تكتفِ مديرة المدرسة، واسمها معزز برتو بذلك بل صارت تقوم بإخراج فرقة الكشافة عصر الاثنين من كل أسبوع تسير في الشوارع وفيها الفتيات سافرات، مما جعل تلك الدهشة تتطور الى ردة فعل أثارت بذلك ثائرة المحافظين على الرغم من صغر سن الفتيات، وأشتد أوار معركة فكرية، وجدال شديد بين دعاة الحجاب ودعاة السفور على صفحات الجرائد.
تبنى حسين الرحال وجماعته وهي حلقة من أولى حلقات الفكر الماركسي في العراق، حركة تحرير المرأة، مكرسين نشاطهم على شكل حملة لتطوير الوعي السياسي والاجتماعي للدفاع عن قضية المرأة لدى المرأة والرجل على حد سواء، وكان من بين الأعضاء الأساسيين في الجماعة محمد سليم فتاح، طالب الطب أبن المسؤول السابق في الحكومة العثمانية وصهر الرحال، ومصطفى علي، هو معلم مدرسة، أبن نجار وأصبح في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم وزيراً للعدل، وعبد الله جادو الموظف في إدارة البريد والبرق وأبن متعهد ثياب، وعوني بكر صدقي وهو معلم وصحافي وابن مسؤول صغير أصبح في أواخر الخمسينيات رئيس تحرير(جريدة صوت الأحرار) ذات الميول الشيوعية، ومحمود أحمد السيد (رائد القصة العراقية الحديثة) الذي كان أبرز من في الجماعة بفارق كبير.
وقد قام حسين الرحال وجماعته بغرس البذرات الأولى لأفكار تحرير المرأة كمطلب من مطالب العملية التاريخية، وعدم جعل الأمر مقتصراً على كونه صراعاً بين الحجاب والسفور، بعيداً عن مجريات الإنسان سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، وفي خضم تطور التجاذبات التي انشغل بها الرأي العام، وأوساط المثقفين، كتب حسين الرحال مقالاً تحت عنوان (الحتمية في المجتمع)، مضمناً مقاله الدعوة الى إلغاء الحجاب والى مساواة المرأة بالرجل، متناولاً منظومة القيم والتقاليد السائدة آنذاك، ونشر المقال يوم 28 و29 تشرين الثاني 1924، في جريدة (العالم العربي) بالعدد 211 و212 ولكن هذه الجريدة سارعت الى إغلاق أبوابها في وجه الرحال وجماعته، فأصدر جريدة (الصحيفة) في 28 كانون الأول 1924 ( وهنالك من يسميها مجلة مشيراً الى أنها نصف شهرية، وأن الأدب السياسي العراقي درج على تسميتها جريدة)، وسرعان ما وجدت جماعة الرحال الصغيرة نفسها محاطة بهيجان ناجم عن المرارة والامتعاض، وصارت خطب أيام الجمعة في المساجد تصليهم ناراً حامية، واستنكرتهم المضابط الجماعية، واسكت صوتهم (الصحيفة) في 1925،
وقد قام أحد خطباء المساجد في جانب الكرخ بتحريض الناس على عوني بكر صدقي المعلم في مدرسة الكاظمية الابتدائية، وهو من أشد دعاة السفور حماساً، فعزم جماعة من المتحمسين من عوام الكرخ على قتله، وصاروا يبحثون عنه، وعثروا أخيراً على رجل يشبهه فأطلق احدهم مسدسه عليه ولكنه لحسن الحظ لم يصب هذا الرجل.
وبعد سنتين عاودت جريدة (الصحيفة) الصدور، وجاء في افتتاحيتها لذلك اليوم 13 أيار 1927 (عدنا ولم نلفظ نفسنا الأخير كما تصوروا)، وخلال فترة انقطاع الجريدة كان للرحال دور أساسي في تأسيس (نادي التضامن) في أواسط العام 1926، وساهم بالكتابة الى مجلة سينما الحياة.
أول نشاط نسائي اجتماعي
بدأت الحركة النسوية العراقية النشاط الاجتماعي العلني من خلال مجموعة من النساء المتعلمات من الطبقة الأرستقراطية في تأسيس أول نادي نسوي أطلق عليه أسم (نادي النهضة النسائية) عام 1923، ومن هن السيدة نعمة سلطان حمودة، السيدة أسماء الزهاوي، والآنسة حسيبة جعفر، والآنسة بولينا حسون، وعقيلات عبد الرحمن الحيدري، ونوري السعيد، وجعفر العسكري، لكن النادي سرعان ما واجه مقاومة شديدة من القوى التقليدية والمحافظة.
أول مجلة عراقية نسائية
صدرت يوم 15 تشرن الأول عام 1923 باسم (مجلة ليلى)، وكانت السيدة (بولينا حسون) هي رئيسة تحريرها، ولدت في فلسطين وانتقلت الى العراق، وعملت نحو عامين في التفتيش بوزارة المعارف قبل أن تحترف الصحافة، والمجلة ذات طابع تربوي وعظي يحاول أن يحرض المرأة للحصول على حقوقها وتعليمها، جاء على غلاف عددها الأول، في سبيل نهضة المرأة العراقية، وأيضاً مجلة نسائية تبحث كل مفيد وجديد فيما يتعلق بالعلم والفن والأدب والاجتماع وتدبير المنزل، استقطبت بعضاً من الكتاب والأدباء والمفكرين العراقيين والعرب، منه الزهاوي والرصافي الدجيلي، حليم دموس، سلمى صائغ، أنور شاؤول، ويوسف غنيمة، ويقول الأستاذ عبد الرزاق الحسني إن صدورها استمر لمدة سنتين، لأنها جوبهت بحملات شخصية، انتقلت الى المحاكم مما دفع السيدة بولينا الى التخلي عن مهنة الصحافة وإغلاق مجلتها.
أول منظمة وطنية ديمقراطية نسائية
تأسست جمعية المرأة العراقية المناهضة للفاشية والنازية في بداية الأربعينات، وفي اجتماعها عام 1945 انتخبت هيئة إدارية، برئاسة عفيفة رؤوف، وعضوية كل من نزيهة الدليمي وروز خدوري وفكتوريا نعمان وعفيفة البستاني وأمينة الرحال وسعدية الرحال ونظيمة وهبي، وقامت الجمعية بنشاطات عامة لرفع مستوى المرأة، وامتداداً لها تأسست لجنة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية في 10 آذار 1952، وهي أول منظمة وطنية ديمقراطية نسائية تربط ما بين حرية المرأة وحرية الوطن، عبرت عن تطلعات النساء العراقيات في إقامة نظام ديمقراطي يكفل بناء دولة المؤسسات، ويضمن مساواة المرأة بالرجل في الدستور والقوانين المنظمة لحياة المجتمع، وكانت رئيستها آنذاك الدكتوره نزيهة الدليمي، ومثلتها لأول مرة في المؤتمر النسائي العالمي في كوبنهاكن 1953، وفيه قبلت اللجنة كعضو في الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي، ومن ثم انتخب العراق عضوا في سكرتارية الاتحاد، وجرى تغيير أسمها الى (رابطة المرأة العراقية) بعد انعقاد مؤتمرها الأول عام 1959، وقد جرى أول احتفال بيوم المرأة العالمي في العراق عام 1944، اثر مقال نشرته القاعدة جريدة الحزب الشيوعي العراقي، يعرف المرأة العراقية بهذا اليوم وأهميته لجميع نساء العالم ولاسيما لنساء العراق.
من رائدات نهضة المرأة العراقية
ساهمت المرأة العراقية بدور مميز في تاريخ الحركة الوطنية منذ بداية تأسيس الدولة العراقية رغم كل القيود التي أعاقت مشاركتها، فهي أدركت مبكراً ارتباط قضيتها بحرية المجتمع، وكانت لها مساهمات مشهودة في كافة تفاصيل الحياة السياسية والاجتماعية، أسست الجمعيات والمنظمات النسوية، وتصدت للعمل السياسي منضوية في تنظيمات الأحزاب الوطنية، معاضدة الأخ والزوج في نضاله الوطني لمقارعة للاستعمار والسلطة الغاشمة، ومشاركة له في الانتفاضات الشعبية والمظاهرات والاعتصامات، نقلت الفكر والثقافة في مداركها مثلما نقلت البريد الحزبي بين ثناياها في أحلك الظروف، تركت الدراسة والوظيفة، واضطرت الى الاختفاء بسبب المطاردة، وتعرضت للاعتقال والتعذيب.
أمينة الرحال
أشار الدكتور علي الوردي الى أن السفور في العراق بدأت به امرأة من الطبقة العالية في ثلاثينيات القرن الماضي، وصارت النساء تقلدها شيئاً فشيئاً، وقيل انها السيدة ماجدة الحيدري زوجة الأستاذ رؤوف الجادرجي، ولكن حنا بطاطو في كتابه العراق ج2، ذكر أمينة الرحال بأنها أول أمرة عراقية تخلت عن الحجاب، وهي من أسرة متنورة، كان والدها ضابطاً في الجيش العثماني من أصل عربي، ينحدر من منطقة الرحالية في لواء الدليم، وأمها تركمانية من عائلة النفطجي في كركوك، وهي شقيقة كل حسين الرحال ( من منظمي أولى الحلقات الماركسية في العراق)، وخالد الرحال (النحات العراقي المعروف)، وزوجة الأستاذ عوني بكر صدقي.
تعد أمينة الرحال من رائدات العمل التطوعي في العراق، حيث سافرت وهي طالبة بدار المعلمات، رئيسة لوفد المرأة العراقية مع جميله الجبوري، معلمة بمدرسة البنات الرسمية، الى المؤتمر النسائي الشرقي المنعقد في دمشق في تموز من عام 1930، والتحقت بهن في سوريا السيدة صبيحة ياسين الهاشمي، والأخيرة كانت طالبة في بيروت.
وقد تصدت أمينة الرحال للعمل السياسي مبكراً، وشاركت بنشاطات الحركة الوطنية في صفوف الحزب الشيوعي العراق، وكانت أول امرأة عراقية تتسنم مركزاً حزبيا عالياً، إذ تم انتخابها عضوة في اللجنة المركزية في أعوام 1941- 1943 أيام قيادة الرفيق الشهيد يوسف سلمان يوسف( فهد) للحزب.
نزيهة الدليمي
توجت المرأة العراقية نضالاتها في عهد رئيس الوزراء العراقي الأسبق عبد الكريم قاسم، حين تسنمت الدكتورة (نزيهة الدليمي) منصب وزير البلديات للفترة 1959-1962، وهي طبيبة من مواليد 1924، نشأت في عائلة ذات دخل متوسط تعيش في منطقة قريبة من باب المعظم في بغداد، درست الابتدائية والمتوسطة في مدرسة تطبيقات دار المعلمات، ثم التحقت بالثانوية المركزية للبنات، التحقت بالكلية الطبية عام 1941، وفي مراحل دراستها الأولى دخلت الحياة السياسية، وأصبحت في 1945، عضوة الهيئة الإدارية، جمعية المرأة العراقية المناهضة للفاشية، وعملت في عام 1950، بمشروع لمنظمة الصحة العالمية، مكنتها الجولات العديدة في مختلف مناطق العراق التعرف على مشاكل النساء العراقيات من مختلف الفئات فألفت أول كتاب لها باسم المرأة العراقية، وعند تشكيل لجنة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية في 10 آذار 1952، أصبحت أول رئيسة لها، مثلتها لأول مرة في المؤتمر النسائي العالمي في كوبنهاكن 1953، ولها تاريخ نضالي حافل منذ ذلك الحين في الاتحاد الدولي الديمقراطي للمرأة.
عدوية الفلكي
وقفت المرأة العراقية في وثبة كانون 1948، مشاركة وسط ميدان نضالي وصفه حنا بطاطو بأروع عصيان جماهيري عرفه تاريخ العراق في العهد الملكي، ناقلاً من ملفات الشرطة معلومة توثق فاعلية المرأة في حدث الوثبة مفادها، أن شاحنات عديدة كانت تنقل النساء والطلاب والعمال الى مسرح التظاهرات آتية من الضواحي، بل من المحافظات، وتوجت الموقف ذلك بنت العراق المناضلة (عدوية الفلكي) حينما تقدمت المتظاهرين، حاملة علم العراق، مخترقة جدار الرصاص الملتهب بأجساد الشهداء جنبها لتفتح جسر الشهداء أمام المتظاهرين. مسجلة من أروع صفحات البطولة، وصورة متألقة لم تغب عن مخيال الشاعر محمد مهدي الجواهري فأجترحها شعراً لتبقى في ذاكرة العراقيين.
والجسـر يفخر أن فـــوق أديمــــه جثث الضحايا قد تركن مساحبا
وعلى بريق الموت رُحنَ سوافراً بيض كواعــب يندفعن عصائباً
الفنانة زينب
ولدت (فخرية عبد الكريم) في مدينة هيت، وعرفت باسمها الفني (زينب)، من رائدات المسرح والسينما العراقية، شخصية وطنية، ساهمت في نضالات الحركة الوطنية، عاشت في أواسط الخمسينات مبعدة سياسية في مدينة الحلة، ولها وقفة مشهودة في مناصرة ثورة تموز 1958، حيث هدر صوتها عالياً في شوارع مدينة الحلة يوم الثورة، ففي مسيرة حاشدة حُملتْ الراحلة الفنانة زينب على باب خشبية بسواعد بعض الشباب في مركز المدينة، تشحذ همم الجموع الغفيرة التي خرجت تؤيد ثورة الفقراء، توفيت في المنفى في 13 آب 1998.
أنظر
(1) حوارات في الطبيعة البشرية علي الوردي
(2) العراق حنا بطاطو ج2
(3) أول الطريق صبيحة الشيخ داود
(4) تاريخ الحزب الشيوعي عزيز سباهي